في كتاب “بلوغ المرام”، في باب الزكاة، الحديث عن أبي رافع، والحديث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ما معنى الحديثين كليهما؟
فيقال: أما الحديث الأول الذي سأل عنه السائل فهو ما ذكره الحافظ قال عن أبي رافع: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي فَإِنَّكَ تُصِيبُ مِنْهَا، قَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ)). رواه أحمد، والثلاثة، وابن خزيمة، وابن حبان.
هذا الحديث من جهة الرواية والصحة فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صحَّح الحديث الترمذيُ رحمه الله تعالى.
أما من جهة معناه فإنه قد دلت السنة أن الصدقة حرام على آل محمد صلى الله عليه وسلم، فكذلك كما أن الصدقة حرامٌ على آل محمد، فهي أيضا حرامٌ على من أُعتق من عبيدهم المملوكين، أي: أنه إذا أعتق أحدٌ من آل محمدٍ عبدًا مملوكًا فإنه يكون بعد ذلك حرًا، فإذا كان حرًا فإنه ينتسب لآل محمد، ويكون مولًى لهم، فإذا قيل له: من مولاك؟ قال: مولاي فلان من آل محمد، فكذلك من أعتقه آلُ محمدٍ فإن الصدقة عليه حرام، كما أن الصدقة حرام على آل محمد، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو قول الحنفية، وأحد القولين عند الشافعية، والحنابلة.
أما الحديث الآخر فهو ما قال الحافظ: عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ الْعَطَاءَ، فيقول: أعطه أَفْقَرَ مِنِّي، فَيقَولَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ)) رواه مسلم.
معنى هذا الحديث: أن عمر رضي الله عنه كان يردُّ العطاء الذي يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم من الأموال؛ لأن عمر يقول: أعطِ هذا المال من هو أفقر مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: ((خذه فتموله)) أي: اجعله مالًا لك تحتفظ بهِ، أو تصدق بهِ على من تراه محتاجًا، ثم قال: ((ومن جاءك من هذا المال وأنت غير مشرفٍ))، أي: نفسك لم تتشوف له، ((ولا سائلٍ فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك)).
فالمال الذي يعطى ينبغي أن ينظر المعطى لهذا المال لنفسه، إن كانت نفسه تتشرف لهذا المال وتتشوفه، وتفكر بأنها تعطى هذا المال، فهذا يعتبر من التشرف لهذا المال، فإذا أُعطِي أحدٌ مالًا كان يتشرفه فإنه لا يأخذه، وكذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال. هذا ملخص معنى الحديثين.