إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أعظم الواجبات، وأهم المهمات ما رُفعت السماوات السبع ، وبُسطت الأراضون السبع ، وحُقّت الحاقة، وقُرعت القارعة، وزُلزلت الزلزلة، وانقسمت الخليقة إلى أصحاب النيران وأصحاب الجنان من أجله، إنه توحيد الله، إنه ألا يعبد إلا الله ، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: 21]، روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: ” وحد<وا ربكم”.
وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
وإن أعظم الواجبات التوحيده، لذا بدأ به قال سبحانه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وأشد المحرمات نقيضه وضده، وهو الشرك، لذا بدأ به في قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[الأنعام: 151].
وإن من أعظم خدع الشيطان وحبائله أن يُوسوس للموحدين أنهم ليسوا في حاجة إلى دراسة التوحيد، وتذكّره، ليُؤمّمنهم فيأتيهم من حيث لا يحتسبون.
كيف يأمن موحّد على نفسه الشرك؟ وخليل الله إبراهيم عليه السلام كان يدعو الله قائلًا: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[إبراهيم: 35]؟
روى ابن جرير عن إبراهيم التيمي –رحمه الله- أنه قال: “ومن يأمن البلاء –أي الشرك- بعد إبراهيم –عليه السلام-؟”.
وقال الله لمحمد –صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد: 19].
إذا عُلم هذا، عُلم أننا في حاجة ماسة وملحّة إلى تعلم التوحيد ومدارسته، وتذكره ما بين حين وآخر، مهما بلغنا علمًا وإيمانًا وتقوى.
وإن مما يعين على معرفة التوحيد معرفة قواعد أربع، ذكرها الله في كتابه:
القاعدة الأولى:
أن كفار قريش كأبي جهل وأبي لهب، يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبّر،
قال سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}[الزمر: 38].ومع ذلك لم ينفعهم هذا الإقرار لأنهم صرفوا عبادات لغير الله
إذا عرفنا هذه القاعدة العظيمة، عرفنا معنى كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”، وأن معناها ليس راجعًا إلى توحيد الربوبية من أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، وأنه لا خالق ولا رازق إلا الله، فإنه لو كان هذا معناها لأقرّ بها كفار قريش ولما قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]، وإنما معناها راجع إلى توحيد الإلهية، فإذن معنى “لا إله إلا الله”: أي لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
القاعدة الثانية:
الكفار الأولون من كفار قريش وغيرهم ما عبدوا غير الله إلا لأنهم أرادوا أن يكونوا وسائط وشفعاء لهم عند الله سبحانه .
فيقولون: نحن مذنبون ومقصرون، ولسنا أهلًا أن نلتجئ إلى الله، فنحتاج إلى أولئك الصالحين، لنجعلهم واسطة وشفعاء بيننا وبين الله، فذبحوا ونذروا لهم، ودعوا أولئك الصالحين من دون الله، وتقرّبوا إليهم بصرف العبادات من دون الله.
هذا الذي فعله كفار قريش، وصاروا به كفارًا ومشركين، هو عين ما يفعله كثير من المسلمين اليوم، فإنه يقصدون الأولياء والأضرحة ويذبحون، وينذرون لها، ويطلبون منهم المدد، ويعتقدون فيهم ما يعتقدون بزعم أنهم صالحون، وأنهم لو التجأوا إلى الله مباشرة لم يقبل الله منهم، وهذا هو عين الشرك –عافاني الله وإياكم-.
القاعدة الثالثة:
أن كل من عبد غير الله ، بذبح أو نذر أو طلب مدد أو استغاثة أو التجاء … إلى غير ذلك، فقد وقع في الشرك، أيًا كان المعبود من وشجر أو ولي صالح أو نبي مرسل، قال سبحانه: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 80].
القاعدة الرابعة:
أن الكفار الأولين كانوا يشركون في الرخاء، وإذا اشتدت عليهم الأمور وضاقت فزعوا إلى الله وحده، فوحّدوه سبحانه، قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
أما كثير ممن يزعمون أنهم مسلمون، ويذبحون ويدعون غير الله، إنما يشتدّ شركهم ويعظم إذا اشتدت بهم الأمور وضاقت عليهم، حتى إن بعض من يقال إنهم مسلمون، لما كانوا في طائرة وقال قائد الطائرة إن الطائرة في حال حرجة، فزع من في هذه الطائرة إلى غير الله، فمنهم من يطلب الفرج والغوث من السيد البدوي، أو السيدة زينب، أو غيرهم من دون الله سبحانه.
إذا عُلمت هذه القواعد الأربع، علمت خيرًا عظيمًا في توحيد الله،
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنه لا يمكن أن ننجو من الشرك وأن نتمسّك بالتوحيد، إلا بمعرفة الوحي، وهو معرفة العلم الشرعي من الكتاب والسنة، والرجوع إلى العلماء الراسخين المعروفين بالسنة والتمسك بها.
إن من رجع إلى كتاب الله وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وإلى أهل العلم الموثوقين السائرين على ما عليه سلف هذه الأمة، كان على بصيرة وبيّنة.
إن تعلم التوحيد فرض عين على كل مسلم، لأن تركه كفر،
يالله كيف يتساهل في تعلم التوحيد ؟ والله يقول لمحمد –صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد: 19]؟
إخوة الإيمان/ إن هناك كتبًا مختصرة مفيدةً في تعلم توحيد الله منها: رسالة (القواعد الأربع)، ورسالة: (ثلاثة الأصول)، ورسالة: (كتاب التوحيد)، وكل هذه الرسائل لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى-.
أوصيكم أن تجتهدوا في قراءة هذه الكتب الثلاثة، فإنها جمعت بين الاختصار وسهولة العبارة، وغزارة العلم، وهناك كتاب مفيد للغاية لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- بعنوان: (العقيدة الصحيحة وما يضادها)، وكتاب آخر بعنوان: (قوادح التوحيد)، … إلى غير ذلك من الكتب الموثوقة للعلماء المأمونين الموثوقين، كشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى-، والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-، والشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، وفقه الله لهداه.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم يا مجيب الدعوات، ومحقق الرغبات، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، واجمعنا ووالدينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم وفق ملكنا وولي عهده أن يعزوا دينك وأن يعلوا كلمتك، وأن يكونوا رحمة للشعوب يا أرحم الراحمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
قواعد أربع في التوحيد - د. عبدالعزيز بن ريس الريس 1442