كشف خطأ د. محمد العوضي في تكفير البوذيين والنصارى وغيرهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذه هي المجموعة الثالثة والسبعون بعد الثلاثمائة في الإجابة على الأسئلة بقناتي بالتلغرام .
يقول السائل : ذكر الداعية محمد العوضي كلامًا غريبًا عن الكفار البوذيين وغيرهم وعن آدابهم فليتك تسمع كلامه وتجيب على ما فيه من خطأ ؟
فيقال جوابًا على هذا السؤال :
قد سمعت كلامه كاملًا وبعد سماعي لكلامه ازددت يقينًا على يقيني السابق التام في حاجة الأمة الإسلامية إلى تعلم التوحيد.
وإني لأعجب كيف يزهد في تعلم التوحيد بحجة أن الناس عارفون له حتى يقول بعض الدعاة الحركيين –كسلمان العودة-: يكفي الإنسان في تعلم التوحيد عشر دقائق ([1])، وها نحن نسمع كلامًا من مثل محمد العوضي وهو قد برَز للناس داعية، ومع ذلك قد خلط في مسائل مهمة تتعلق بتوحيد الله.
فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- اجتهدوا في تعلم التوحيد، ويا دعاة الإسلام اجتهدوا في تعلمه وتعليمه ونشره بين الناس ؛ فإن أمره عظيم وهو دعوة الأنبياء والمرسلين ،والخطأ فيه جسيم بل موجب للكفر أو الضلال عافاني الله وإياكم .
وقبل التعليق على كلام محمد العوضي أشير إلى مهمات سريعة :
أولا : الكفار عموما –أي : بصفة عامة- في النار ، والأدلة على ذلك كثيرة كما قال الله سبحانه في سورة البينة -التي يحفظها كثير من صبيان المسلمين-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }
ثانيًا : الكافر الأصلي والمشرك ولو لم تبلغه الرسالة ولو لم ترسل إليهم الرسل مشرك، كما قال الله سبحانه {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}
ثالثًا: من لم يكفر الكافر الأصلي من المشركين ومن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فإنه مكذب للقرآن الذي كفرهم ومن كذب القرآن فهو كافر، وقد قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-في رسالة رأس الحسن أن من لم يكفر الكفار فهو كافر مثلهم بالإجماع ؛ وذلك أن من لم يكفرهم فقد كذب القرآن .
رابعًا : الكافر الأصلي أو المسلم الذي ارتكب مكفرًا يوجب خروجه من الملة بعد قيام الحجة عليه ؛فإنه يجب عداؤه وبغضه بغضا دينيًا لا دنيويًا، فإن عداء الكفار يكون لأجل الدين لا لأجل الدنيا، فقد قال الله سبحانه : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } فجعل الله موجب العداوة والبغضاء هو : أنهم كفار فالكافر يُبغَض ؛لأنه كافر لا لأجل الدنيا .
وقد ضل في هذا طائفة من الحركيين ممن جهلوا دين الله كالقرضاوي والسويدان وغيرهم فظنوا أن عداء الكفار إنما هو لأجل الدنيا لا لأجل الدين فضلوا في هذه المسألة .
وسلفهم في ذلك وشيخهم وإمامهم رأس الإخوان المسلمين ومؤسس جماعتهم حسن البنا ومن تبعه، فظنوا أن الشريعة لما جاءت بحب الزوجة الكافرة إذا كانت كتابية كما قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } أو بحب القريب الكافر كما قال تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} أن هذا يدل على أن عداء الكفار ليس لأجل الدين وإنما لأجل الدنيا .
وهذا خطأ وقد بين هذا الخطأ العلماء كالحافظ ابن حجر في « فتح الباري »،وابن كثير في «تفسيره»، والشيخ سليمان بن عبد الله في «تيسير العزيز الحميد»، وبين ذلك شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في «القول المفيد على كتاب التوحيد».
بينوا أن محبة القريب الكافر هي محبة طبعية فهو يُحب من جهة قرابته، ويُبغض من جهة الدين، فلا تنافي بين ذلك .
وأقرب ذلك بمثال وهو :أن الدواء الكريه يُحب من جهة نفعه، ويُكرَه من جهة طعمه، فلا تنافي بين ذلك.
وكلام أهل السنة كثير في تقرير عداوة الكفار.
بل كلام الله و كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر بين في هذا.
خامسًا : يخطئ من يطلق ويعمم أن في الإسلام حرية الأديان، وذلك أن كثيرا من المنهزمين في هذا العصر يرددون حرية الأديان ومنهم كثير من المفكرين .
وهذا خطأ فإن الشريعة لا تقر حرية الأديان بهذا اللفظ المجمل بل لابد من التفصيل فيه.
ومن التفصيل فيه ما يلي :
1-أن الشريعة لا تسمح للمسلم أن يكفر بعد إسلامه ولو كفر بعد إسلامه فإنه يقتل لما أخرج البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من بدل دينه فاقتلوه».
2- أن الكافر الأصلي من أهل الكتاب -عند العلماء -يبقى على كفره ولا يكره على دخول دين الإسلام بل يدعى للإسلام فإن استجاب فالحمد لله فإن لم يستجب فإنه يدفع الجزية -وهذا في حال قوة الإسلام- فيدفع الجزية ويبقى تحت حكم المسلمين.
فالمقصود أنه لا يطلق القول بحرية الأديان في الإسلام هكذا على الإطلاق وهذا خطأ على الإسلام.
سادسًا : مع أن الشريعة دعت إلى بغض الكافرين…إلخ إلا أنها حرمت غدر العهد بهم ونقض الأمان، بل حرمت ذلك في الجهاد فضلا عن غيره
كما أخرج مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا،…» فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغدر في القتال.
وثبت في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا – أي : من قتل كافرا معاهدا-لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما».
سابعًا : -وهذا هو الأخير- إن الشريعة بينت أصلا عظيما وهو أن هناك فرقا بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة كما بين هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «مجموع الفتاوى» في المجلد السابع وغيره، فلا يلزم من كون الكافر الأصلي في الحياة الدنيا كافرًا من أنه لا بد أن يعذب في الآخرة، ففرق بين هذا وذاك لذا ثبت عند أحمد وغيره: « أن أربعة يحتجون على الله يوم القيامة ذكر منهم «ورجل مات في فترة» ، « وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ، ما أتاني لك رسول» ومثل هؤلاء على أصح أقوال أهل العلم كما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وجماعة من أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة كما جاء الحديث في ذلك وتوقد لهم النار فيأمرهم الله بدخولها : «فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، قال : فوالذي نفس محمد بيده ، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما. » فإن دخلوها نجوا وإن لم يدخلوها جروا إلى النار .
فالمقصود أنهم يمتحنون يوم القيامة .
أما في أحكام الدنيا فيقال إنهم كفار وتجرى عليهم أحكام الكفار …إلخ فهذا في الكافر الأصلي .
أما في أحكام الآخرة : فلا يلزم أن يكون كل كافر في الدنيا أن يكون خالدا مخلدا في النار ويؤيد ما ثبت في مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار».
مفهوم المخالفة : أنه إن لم يسمع به فإنه لا يدخل النار بل بدلالة الدليل السابق أنه يمتحن يوم القيامة .
وليس معنى أنه لا يلزم الجزم بدخول النار لأعاينهم أنهم لا يبغضون ولا يعادون ولا يحكم عليهم عمومًا بالنار، بل يجب أن نقوم بعقيدة الولاء والبراء وأن يتعامل معهم في أحكام الدنيا بما شرعته الشريعة وهو الأهم فيما نحن بصدده مع اعتقاد ما جاءت به الشريعة في أحكام الآخرة، لكن لا يضرب هذا بهذا بل يؤمن بالجميع كما قال سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ،وذم الله الكافرين بقوله : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}
وبعد هذا : فإذا عرف ما تقدم علم ما في كلام العوضي من الإجمال وعدم التفصيل، وأنه ذكر كلامًا فيه إجمال كبير يفهم منه من لا يدري أنه لا يكفر الكافر وهذا خطأ، وكان المفترض أن يبين أن الكافر في النار من جهة العموم وأنه يجب اعتقاد ذلك وأنه يبغض ويعادى لكفره…إلخ.
ثم بعد ذلك يتكلم على ما يتعلق بأحكام الآخرة، لا أن يجمل هذا الإجمال الذي يفهم منه أنه لا يكفر الكافر .
ثم عجبي الذي لا يكاد ينقضي أنه في مثل هذه المسألة العظيمة يعتمد على كلام أبي حامد الغزالي .
وأبو حامد الغزالي معروف أنه من المتكلمين بل مما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن العربي المالكي أنه ذكر عن شيخه أبي حامد الغزالي أنه دخل في بطون الفلسفة وما استطاع أن يخرج من ذلك وما استطاع أن يتقيأها .
فهو من المتكلمين المتلطخين بالفلسفة وأفكار الفلاسفة ؛ لذا مثل الغزالي لا ينبغي أن يعول عليه في العقائد التي ضل فيها وزاغ.
وإني في الختام أدعو المسلمين أجمعين أن يعتنوا بتوحيد الله ،وأن يقوموا بالواجب الشرعي وهو تعلم توحيد الله لا سيما الدعاة وأهل العلم فيجب عليهم أن يتعلموا التوحيد، وأن يتعاهدوه، وأن يعلموا الناس التوحيد.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يفعنا بما علمنا وجزاكم الله خيرا.
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
6 / 6 / 1438 هـ
تنبيه : أصله جواب صوتي هذا رابطه:
https://youtu.be/Lw820idcKbY
[1] ) نص كلام سلمان العودة (“….من السهل جدا على أي إنسان أن تشرح له كلمة التوحيد في عشر دقائق فينطلق وقد فهمها و..”)