لتكن .. بعد رمضان
الحمد لله (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) ، يُقلِّبُ الليلَ والنهار عبرةً لأُولي الأبصار، له الحمدُ في الأولى والآخرة، وله الحُكمُ وإليه تُرجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ من حجَّ لله وصام، وصلَّى وقام، عليه من الله أفضلُ صلاةٍ وأزكى تسليم، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسِي بتقوى الله -سبحانه-؛ فهي زادُ السالكين، وعُدَّةُ الذاكِرين، بها تُرفعُ الدرجات، وتُمحَى الذنوبُ والسيئات 🙁 إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )
يقول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) أَيْ يَخْلُف كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه يَتَعَاقَبَانِ إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ ذَاكَ وفائدة هذا الأمر كما ذكر ربنا جل جلاله لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) فَمَنْ فَاتَهُ عَمَل فِي اللَّيْل اِسْتَدْرَكَهُ فِي النَّهَار وَمَنْ فَاتَهُ عَمَل فِي النَّهَار اِسْتَدْرَكَهُ فِي اللَّيْل .وهكذا كان رمضان ، فقبل أيام قليلة كنا نتبادل التهاني بقدومه ونسأل الله الإعانة على الصيام والقيام واليوم ودعناه بما أودعناه ؛ فمحسن ومسيء، ومقل ومستكثر . كان رمضان أياما خلت ملء أسماعنا وأبصارنا، عشناه يومًا بيوم، وليلة بليلة، وها هو قد انتهى .
فإن شهر رمضان مدرسة لإصلاح النفس وترويضها على الطاعة لما بعد رمضان من قيام وصيام وقراءة للقرآن وعبادة لله جل جلاله ، وعمل المؤمن ليس مقيد بزمن أو بفترة من الدهر، بل ليس لها نهاية إلا الموت.
يقول الحسن البصري رحمه الله:[لا يكون لعمل المؤمن
أجل دون الموت، وقرأ قوله سبحانه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ولمَّا سُئِل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان )
عباد الله :في رمضان عمرت المساجد والمنازل بل وأوقات الانتظار بتلاوة القرآن ، أفلا يكون ذلك مفتاحا للعزم على ورد يومي ولو بأقل ما يكون لتلاوته وختمه .
في رمضان وجد كثير من المتهجدين لذة صلاة الليل، ومناجاة الرب -جل جلاله-، والانطراح على بابه، والبكاء من خشيته ورجائه، فهل يكون منا محاولة ألا ندع قيام الليل ولو بعد العشاء أو قبل النوم .
في رمضان عرف المسلم قيمة وقته فكان شحيحا أن تضيع دقائق في غير عبادة؛ فلماذا لا يكون هذا دأبه بعد رمضان؟! قال الحسن رحمه الله تعالى: ” أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره “. إن كثيراً من الناس لما دخل رمضان أحسوا أن أوقاتاً منهم كانت تضيع في فضول المجالس، والكلام، والأعمال مما لا نفع فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ألا يمكن أن نستفيد من مدرسة رمضان بأن لا ندع الصيام ولو ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه يعدل صيام السنة ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر ” ثم اعلموا رحمكم الله أن رسولكم صلى الله عليه وسلم نَدَبَكم لصيام ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مَن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } .
فلا تفوِّتوا -رحمكم الله- على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، وكلنا بحاجة إلى سد ما نقص من صيامنا بصيام التطوع.
ويجوز لمن أراد صيام ستة أيام من شوال أن يتابعها، أو يفرقها في الشهر، ولا بأس في ذلك كله بحمد الله.
في رمضان انتشرت مظاهر الإحسان للخلق بتفطير الصائمين، والصدقة للمحتاجين، وأحس الصائم بجوع إخوانه الفقراء، وعلم حاجتهم، ووجد لذة عظيمة في الإحسان إليهم، وإدخال السرور عليهم وعلى أسرهم وأطفالهم ، وودَّ ساعة إنفاقه لو ملك ما على الأرض لا لشيء إلا ليحسن إلى إخوانه، ويدخل السرور إلى بيوتهم ، وكان يرن في أذنه قول النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: “ما من يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فيه إلا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فيقول أَحَدُهُمَا: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”. رواه الشيخان.
في رمضان كان للنفس حماس على العناية بأذكار الصباح والمساء وعلى صلاة الضحى افلا يكون ذلك مروضا للنفس للاستمرار بعد رمضان .
أمة الإسلام : إن مما يعين على الاستمرار على الطاعات بعد رمضان التعلق بالله وطلب العون منه – عز وجل – على الهداية والثبات .
ومما يعين كذلك الإكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر والبعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء وأجهزة الفساد المرئية والمسموعة.
ومما يعين على الاستمرار على العمل الصالح التعرف على سير الصالحين من خلال القراءة للكتب أو استماع للصوتيات وخاصة سير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة .
ومما يساعدك في الاستمرار :الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب الأعمال إلى الله « أدومه وإن قل » كما قال صلى الله عليه وسلم .
أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يخلف علينا رمضان بخير، وأن يتقبل منَّا الصيام والقيام، اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلمه لنا، وتسلمه منا متقبلاً، إنك سميع مجيب.
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ؟
الخطبة الثانية :
الحمد لله؛ تَتِمُّ الصالحات بنعمته، وتُكََفَّر السيئات وتُقال العثرات بِمِنَّته، وتُضاعَف الحسنات وتُرفَع الدرجات برحمته، سبحانه! يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات أحمده تعالى وأشكره على جزيل العطايا والهبات.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى ورسوله المجتبى أفضل البريَّات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم الى يوم الدين .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق التقوى ، واعلموا أنه حل عليكم شهر رمضان لترجعوا إلى ربكم بالتوبة والأعمال الصالحة.وتتربوا على فعل الطاعات وترك المحرمات وتتلقوا دروس الصبر. وتنتصروا على النفوس الأمارة بالسوء. فما تنقضي أيام هذا الشهر المبارك إلا وقد ألفتم الطاعة. وكرهتم المعصية. وتربيتم على الأخلاق الفاضلة فتيقظتم بعد غفلة. وحضرتم بعد طول غياب. وعرفتم قدر الحياة وقيمة العبادة.
وإن من علامات القبول والرضوان أن الحسنة تدعو أختها قال ابن كثير في تفسيره : قال بعض السلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها، ولهذا قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} أي بما عنده {وَاسْتَغْنَى} أي بخل بماله واستغنى عن ربه عز وجل. {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي بالجزاء في الدار الآخرة {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي لطريق الشر كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان، وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة، أو أنَّ واقعَ كثير من الناس على خلاف ذلك؟! هل تأسينا بـالسلف الصالح رحمهم الله، الذين تَوْجَل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان؟ لأنهم يخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم عملهم، لذا فقد كانوا يكثرون الدعاء بعد رمضان بالقبول.
ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلى بن الفضل ، أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من ردِّه.
اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا. اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم كن له على الحق مؤيداً ونصيراً، ومعيناً وظهيراً. اللهم ارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.
اللهم عليك بالخوارج المارقة اللهم انزل عليهم بأسك اللهم انزل عليهم بأسك،
اللهم لا ترفع للخوارج راية واجعلهم لمن بعدهم عبرة وايه ، اللهم اهتك سترهم
وافضح امرهم ومكن منهم جنود الإسلام .
اللهم كن لإخواننا المرابطين على ثغور بلاد الحرمين اللهم عجل نصرهم وسدد رميهم واربط على قلوبهم .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد .
أحمد آل عبد الله