يقول السائل: إذا مات عندنا أحدٌ فما الذي يُبدأ من قسم المال؟ هل الوصية أو الدين أم ماذا؟
الجواب:
هذا سؤال مهم وينبغي للمسلمين أن يسألوا عما ينفعهم من أمورهم العملية، فإن كثيرًا من المسلمين للأسف يتعامل مع أمثال هذه الأمور بذوقه واستحساناته أو بعاطفته، لا بالمنطلقات الشرعية، والمفترض أن تكون منطلقاتنا في أمثال هذه المسائل وغيرها من دين الله منطلقات شرعية.
فيُقال جوابًا على هذا السؤال: أول ما يُبدأ به الكفن والحنوط ومُؤنة تجهيز الميت، فيُشترى من ماله الكفن، وعلى هذا المذاهب الأربعة بل حكاه القاضي عياض إجماعًا، وإن خالف بعض الشافعية لكن هم محجوجون بالإجماع.
ومثل ذلك حنوطهُ فإنه أيضًا يُبدأ به مع الكفن، وهذا هو المشهور عند علماء المذاهب الأربعة، فإن الحنوط مُقدم على الدين وغير ذلك، ويؤيد ذلك أن من عليه دين من الأحياء فإن حاجاته في حياته مما يحتاج إليه من حوائجه إلى غير ذلك مُقدم على الدين ومثل ذلك يُقال في الحنوط، ومثله مؤنة تجهيز الميت فهو مُقدم على كل شيء كما ذكر هذا الشافعية والحنابلة.
فإذن،
الأمر الأول/ أول ما يُصرف ماله في كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه.
الأمر الثاني/ يُنتقل إلى الديون سواءً كان دينًا لله أو دينًا للعباد، والمراد بالدين لله أي أن يكون عليه زكاة، والدين للعباد أن يكون اقترض مالًا من أحد أو اشترى شيئًا ولم يدفع لهم ولم يُنه سداد ما عليه، إلى غير ذلك، فإن مثل هذا مُقدم على الوصية كما قال تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11]. وقد أجمع العلماء على ذلك، حكى الإجماع ابن قدامة والعمراني وابن حجر، فإذن الديون سواء كانت دين الله أو دين العباد مُقدمة على الوصية.
ثم ينبغي أن يُعلم أن دين العباد مُقدم على دين الله، فإن التعامل مع العباد مبنيٌ على المشاحة، فلذلك يُقدم دين العباد على دين الله كالزكاة، كما قرر هذا المالكية وهو قول عند الشافعية والحنابلة، ويدل لذلك أن الدين مُقدم على الزكاة في حق الأحياء ومن أراد أن يُخرج زكاةً وعليه دين فإنه لو قضى دينه قبل أن يُخرج زكاته صحَّ ولم يزكه، فإذن الدين مُقدم على الزكاة فهذا مثله.
ويدل لذلك أيضًا أنهم كانوا إذا أتوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- بميت ليصلي عليه كان يسأل: هل عليه دين؟ وما كان يسأل هل عليه زكاة، فدل على أن دين العباد مُقدم على دين الله.
الأمر الثالث/ الوصية قال تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11] وقد أجمع العلماء على هذا، حكى الإجماع القرطبي -رحمه الله تعالى-.
الأمر الرابع/ تُقسم التركة على الورثة، كما ذكر هذا الحنفية والشافعية والحنابلة، فإذن يُقسم مال الميت ويُبدأ بالأهم ثم المهم على الدرجات الأربع المتقدمة.
أسأل الله أن يغفر لنا أحياءً وأمواتًا وأن يغفر لموتى المسلمين، وجزاكم الله خيرًا.