يقول السائل: ما الفرق بين الأمان والهدنة والذمة في الجهاد؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن للمسلمين مع الكفار حالين:
الحال الأولى: حال قتال، وهؤلاء يسمون بالحربيين، فالمسلمون يحاربونهم ويُقاتلونهم.
الحال الثانية: حال عهد لا قتال فيه بين المسلمين والكفار.
أخرج البخاري عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين»، كانوا مشركي أهل حرب يُقاتلهم ويُقاتلونهم، ومشركي أهل عهد، لا يُقاتلهم ولا يُقاتلونه.
ثم هؤلاء الذين لا يُقاتلهم على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: أهل الذمة، وهم الكفار الساكنون مع المسلمين ومستقرون في بلاد المسلمين من الأصل، كالنصارى في بلاد مصر والشام، وغير ذلك.
القسم الثاني: المستأمن -بفتح الميم- وهم أناس يأتون إلى بلاد المسلمين لحاجة، إما لعمل أو لغير ذلك، ويجلسون مدة، فيعطيهم الحاكم أو أحد من المسلمين الأمان، فهؤلاء يسمون بالمستأمنين، كما نرى كثيرًا من الكفار يأتون لبلادنا للعمل أو لغير ذلك.
القسم الثالث: المعاهدون أو المعاهد، وهم الذين يكونون في بلادهم ويكون بينهم وبين المسلمين عهد بعدم القتال، كما ترى بين بلادنا وبين بلاد الكفار عهد بعدم القتال، كما بين السعودية بلاد التوحيد والسنة مع بلاد أمريكا أو بلاد أوربا أو غير ذلك من بلاد الكفر، فهؤلاء يسمون بالمعاهدين.
وهذه الأقسام الثلاثة كلهم يسمون بالمعاهد في اللفظ الشرعي، لأن ما تقدم ذكره هو في الاصطلاح الفقهي، أما اللفظ الشرعي فهو شامل للجميع، لذا يشملهم جميعًا ما أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لوجد من مسيرة كذا وكذا».
إذن بما تقدم ذكره يُعرف ويُعلم أحوال الكفار، وأنهم ما بين حربيين وهم الذين بينهم وبين المسلمين قتال، وما بين غير حربيين وهم أقسام ثلاثة على ما تقدم ذكره من معاهد ومستأمن وأهل ذمة.
ثم ينبغي أن يُعلم أن العلماء ذكروا أن أهل الذمة يكونون في حال قوة المسلمين، فإنهم في حال قوة المسلمين يدفعون الجزية، أما عند ضعف المسلمين فلا يكون كذلك كما ذكر هذا البهوتي وغيره، كما قال تعالى: ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29] هذا في حال قوة المسلمين، أما في حال الضعف فإن للضعف حكمه كما أن للقوة حكمها.
لذا ذكر ابن جرير في تفسيره وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، أن آيات الصبر في حال الضعف، وأن آيات السيف والقتال في حال القوة، فينبغي للمسلم أن يفقه مثل هذا وألا يخلط هذا بهذا.
ثم ينبغي أن يُعلم أمر مهم، الذي يُحدد الحربيين من غيرهم هو الحاكم، والناس تبع لحاكمهم في القتال والسلم والحرب وغير ذلك، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإمام جُنة -أي ستر- يُقاتل من ورائه ويُتقى به» فالقتال والعهد والأمان والذمة عند الحاكم، لا عند غيره، وبهذا يُدرك خطأ الحماسيين وأصحاب الحماسة الذين يُغالطون في أمثال هذه الأمور ولا يلتفتون إلى حكام المسلمين ويتقدمون بين أيديهم ويفتاتون، فإن فعلهم مخالف للشرع والعقل.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.