يقول السائل: ما حكم الحج بدون تصريح؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن من المتقرر شرعًا وجوب السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله، إذا أمر الحاكم المسلم بأمر في غير معصية الله فقد وجبت طاعته، كما قال -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: ٥٩].
ومن دخل بلد مسلمًا، وقد أخذوا عليه شروطًا، فإنه يجب عليه أن يوفي بهذه الشروط والعهد الذين بينه وبينهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمْ} [المائدة: ا]، فيجب الإيفاء بالعقد، والإيفاء بالعهد.
إذا تبين هذا فإن من الأنظمة المقررة في السعودية لترتيب أمر الحج ألا يحج أحد إلا بتصريح، ولهم أنظمة وشروط في ذلك، ولذلك عملت بهذا الدولة السعودية، ثم دول الخليج، وغيرها من دول العالم الإسلامي، بل وغير الإسلامي، فإنهم لا يحجون إلا بإذن وتصريح على شروط معينة بينهم وبين الدولة السعودية.
وهذا الأمر فيه خير للمسلمين، فلو قُدِّر أن كل من استطاع الحج فإنه يحج، كيف سيكون حال المسلمين من الازدحام الشديد في الحرم؟
إذا كان عدد المسلمين في هذا الزمن أكثر من مليار مسلم، لو حج منهم عد كبير حتى بلغوا ستين مليون مسلم أو أكثر، أو أقلّ، كيف سيكون واقع الحرم ازدحامًا وأذية؟ سيحصل أذى كبير للمسلمين، ويقتل بعضهم بعضًا، فلذلك رتبت الدولة السعودية مشكورةً الحجَّ، وأنه لا يكون إلا بتصريح وبشروط معينة، لضبط عدد الحجاج، حتى يتلافى مثل هذا.
فليس هذا النظام عبثًا ولا إرادة لتقليل الحجاج، وإنما الهدف هو ضبط الحج لئلا تحصل مفاسد بازدحام المسلمين، ولئلا يقتل بعضهم بعضًا ويؤذي بعضهم بعضًا.
فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز لأحد أن يحج بلا تصريح، لما يلي.
الأمر الأول: وجوب طاعة أولي الأمر، وإذا لم يكن من أهل هذا البلد فإنه من باب الإيفاء بالعهود، والله يقول: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: ا]، وقد تقدم ذكر هذه، ويقول -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ا]. فيجب الإيفاء بالعقود.
الأمر الثاني: أن في هذا مصلحة وخيرًا للمسلمين، وهذا يشبه ازدحام سيارات كثيرة عند إشارة مرورية؛ فإنه لا يجوز لأحد أن يتجاوز الإشارة المرورية الحمراء؛ لأن فيه أذية للآخرين من المسلمين، وهذه الإشارات المرورية ضبطت المسلمين ذهابًا وإيابًا، لئلا يؤذي بعضهم بعضا.
ومثل هذا يقال في الحج، فإن ضبطه بالتصريح كضبط الطرق المزدحمة بالإشارات المرورية، وهذا متعيَّن لضبط الأمور، لتحصل المصالح وتدرأ المفاسد، فلذا الحج بلا تصريح غير جائز، وأولى من يقوم بهذا أهل العلم، فإنهم أولى من يلتزم ذلك.