ما حملك على هذا القول يا أخ حجاج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والحمد لله القائل
(( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ))
والحمد لله القائل
(( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ))
والصلاة والسلام على الرسول الأمين والنبي المصطفى الكريم عليه أفضل صلاة وأزكى سلام
يقول أنس رضي الله عنه واصفا حاله ومبينا سنته للناس من بعده – كما في الصحيحين –
(( قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو على رَعْلٍ، وذَكوان، ويقول عُصَيَّةُ عصت الله ورسوله )) .
أما بعد :
فقد قرأت كما قرأ غيري رسالة في ( التويتر ) للأخ حجاج بن فهد العجمي ، وأساءتني جدا الكلمات التي احتوت عليها رسالته المختصرة !!!
وقلت في نفسي : النصح واجب بين المسلمين وخصوصا بين من كان بينهم رحـِمٌ في العلم وزمالة في الطلب ، فاتصلت عليه – وفقه الله – وأخبرته بما أخذته عليه من ملاحظات على الرسالة ….
إلا أنني لم أجد بدا من الرد عليه ؛ لأنه قال هذا رأيي في المسألة …. بكل أدب منه واحترام .
نص رسالته :
” دعاء القنوت بإذن ولي الأمر !
نصرة إخوانك بإذن ولي الأمر !
من الـمُشرِّع الله أم ولي الأمر ؟؟؟؟؟؟ ”
ولي مع هذه الرسالة وقفتان :
الوقفة الأولى :
– مما ينبغي على طالب العلم أن لا ينتقص من فتاوى العلماء لا بالتصريح ولا بالتلميح ، فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، وهذه الرسالة كما هي – بنصها وفصها – ما قرأها قارئ ممن سألت إلا وقال : أصلح الله الأخ حجاج ، لماذا هذا الأسلوب الاستفزازي الذي يوحي إلى تسفيه طاعة ولي الأمر .
– هذا الكلام فيه مغالطة كبيرة !!!
يقول الأخ حجاج – وفقه الله – :
( نصرة إخوانك بإذن ولي الأمر ! ) .
من قال هذا من العلماء المعاصرين ؟ أو من طلبة العلم المعتبرين ؟ !!
وما هو نوع النصرة التي أطلقتها وتعجبت منها !! وجعلتها منوطة بإذن ولي الأمر ؟!!
هل تعني الجهاد ؟! فالجهاد نصرة وأي نصرة ! وهو لا بد له من إذن ولي الأمر كما لا يخفى عليك .
أو هل تعني بالنصرة … المال ؟! فها هو الشيخ صباح الأحمد – أميرنا – وولي أمرنا عافاه الله قد بذل الملايين التي شهد بها القاصي والداني ، أسأل الله أنيجعلها دفعة بلاء عنه وعن بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين ، وها هو المفتي عبدالعزيز آل الشيخ – حفظه الله – قد أفتى بجمع الأموال وإرسالها لإخواننا وأهلنا في سوريّا ، وها هو الملك عبد الله – حفظه الله – كذلك قد أرسل… وأرسل الإغاثات والأموال والأدوية وغيرها … كما لا يخفى !!!
أو أنك تعني بالنصرة إرسال الرجال … والقتال ؟! فهذا لا نستطيعه نحن ولا أنت ولا الخليج كله، فالأقرب لهم نسبا وبلدا
( الأردن ) ما استطاعوا !
فلماذا يا أخي الفاضل حجاج ؟
اصدار مثل هذه العبارات والجمل التي تُحَمل وتزرع الغل في قلوب الرعية على الراعي ..!
قل لي بالله عليك ! ما هي النصرة التي تحتاج إذن ولي الأمر ؟
ألست تجمع من شهور مضت ولا زلت – زادك الله حرصا – الأموال ؟
أسجنت ؟ أو منعت ؟ أو أوقفت عن الخطب والمحاضرات والتحديث ؟
احفظ النعمة يا أخي العزيز !!!
الوقفة الثانية :
– يقول الأخ حجاج – هداه الله – :
( دعاء القنوت بإذن ولي الأمر ! )
الأخ هنا متعجب من أن دعاء القنوت بإذن ولي الأمر ، وقال بعدها
كلمة – ياليته ما قالها –
( من الـمُشرع الله أم ولي الأمر ؟؟؟؟؟؟ ) .
– اعلم أخي القارئ الكريم : أن دعاء قنوت النوازل باتفاق العلماء وإجماعهمعلى أنه ليس بواجب وتركه لا يفسد الصلاة .
قال العلامة العثيمين رحمه الله : وقد أجمع العلماء على أن هذا القنوت ليس بواجب ، لكن الأفضل أن يقنت الإمام .
( الشرح الممتع 4/44 ) .
– اعلم أخي القارئ الكريم : أن دعاء قنوت النوازل لا يكون مستحبا مسنونا إلا عند الحاجة إليه، قال شيخ الإسلام : الصحيح
[ أن دعاء قنوت النوازل ] أنه سنة عند الحاجة إليه كما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون .
[ مجموع الفتاوى 23 / 99 ] .
– مسألة : هل يشترط إذن ولي الأمر لقنوت النوازل ؟
والجواب من ثلاثة أوجه :
أولا : نحن في هذه البلد الطيبة المباركة تحت حكومة مسلمة ولا شك ، وطاعتنا لأميرنا وولي أمرنا
من طاعة الله تعالى ، والذي أمر بطاعة ولي الأمر هو الله جل جلاله ، قال الله تعالى
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ،
وأولي الأمر هم : الأمراء والعلماء .
وقال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – من حديث علي رضي الله عنه : إنما الطاعة في المعروف . وفي رواية عند أحمد وغيره : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ثانيا : اعلم أخي القارئ الكريم أن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا والمتقدمين منهم والمتأخرين .
فلا ينبغي لمن دخل بينهم حَكما أو باحثا مرجحا من طلبة العلم أو حتى من العلماء !
لا ينبغي له أن يغمز بعضهم أو يقلل من شأن فتاواهم ، كما هو ظاهر في رسالة الأخ حجاج وفقه الله لهداه . وذلك من خلال قوله : من الـمُشرع الله أم ولي الأمر !!!!!!
المشرع هو الله جل وعلا (( والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ))
وولي الأمر عبدٌ مربوب مخلوق لله تعالى تحت أمره وتدبيره
ولا يكابر في هذا مسلم كائنا من كان ، قال الله
(( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) ، فالله هو الـمُـشرع وهو الحكيم ذو الحكم سبحانه .
ثالثا : [ أنقل لكم جميعا / فتوى بعض العلماء المعاصرين الذين قالوا بوجوب إذن ولي الأمر في دعاء قنوت النوازل ] ، ولا يجوز أن يأخذ أحد منا المسألة بهواه أو ما تملي عليه عاطفته ، بل لابد من الرجوع لفتاوى العلماء الربانيين الذين ينظرون في الكتاب والسنة ومنهما يفتون ويوجهون .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بعض الأئمة يقنتون في المغرب والفجر لكوسوفا ؟
فأجاب : من حيث المشروعية ، قنوت النوازل في جميع الأوقات . والمذهب أنه للإمام الأعظم فقط دون غيره . والصحيح أنه للإمام ولمن أذن له . وهو قول وسط ، و إلا أصبح الأمر فوضى ، وصار كل أحد يرى أن هذا الأمر أو ذاك نازلة . [ ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين ص 67 ] .
وقال الشيخ ابن عثيمين ( أيضا ) – بعدما ذكر الخلاف – : ولكن الذي أرى في هذه المسألة: أن يقتصر على أمر ولي الأمر، فإن أمر بالقنوت قنتنا، وإن سكت سكتنا، ولنا – ولله الحمد – مكان آخر في الصلاة ندعو فيه ؛ وهو السجود والتشهد ، وهذا فيه خير وبركة ، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لكن؛ لو قنت المنفرد لذلك بنفسه لم ننكر عليه؛ لأنه لم يخالف الجماعة .
الشرح الممتع على زاد المستقنع (4 / 44) .
وقال الشيخ ابن عثيمين ( أيضا ) :
” أما مسألة القنوت فلا نقنت إلا بأمر ولي الأمر؛ لأننا نحن تابعون لولي الأمر، وسأخبركم عن رأي الفقهاء عن مسألة القنوت: عند النوازل.
فمن العلماء من يقول: لا يقنت في النوازل إلا الرئيس الأعلى في الدولة فقط، وغيره لا يقنت. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، حيث قالوا: إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت الإمام الأعظم في الفرائض.
وعلى هذا فلا يسن للشعب أبدا أن يقنت، وعللوا ذلك بأنه لم يقنت في النوازل إلا الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – مشرع.
ومن العلماء من قال: يقنت الإمام: إمام المسجد، كل في مسجده.
ومنهم من قال: يقنت كل مصل، وهذا هو أرجح أن يقنت كل مصل، لكن الإمام في الجماعة لا يقنت إلا بعد موافقة ولاة الأمور، إن قالوا: اقنتوا، قنتنا جهرا، وإن سكتوا سكتنا، لكننا لا نسكت عن الدعاء لإخواننا ” . مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 333) .
ولقد تكلم رحمه الله عن هذه المسألة في غير ما موطن ، ( شرح البخاري ، البلوغ ، لقاء الباب المفتوح … وغيرها ) جزاه الله عنا خير ما جزى عالما عن أمته .
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – : هل يجوز لمرأة أن تدعو دعاء القنوت عقب كل صلاة في بيتها بسبب الأحداث التي تصيب المسلمين الآن ؟ وما هي شروط القنوت في الفريضة جماعة ؟
الجواب : الدعاء مشروع وليس بممنوع الدعاء للمسلمين وللمظلومين ، هذا مشروع دائماً وأبداً ولا يمنع منه احد أنه يدعو، يدعو للمسلمين ويدع للمظلومين ، ويدعو على الظلمة وعلى الكافرين ، هذا ليس بممنوع ، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة لا في الركوع ولا في السجود ولا في التشهد الأخير قبل السلام ، المجال مفتوح للدعاء وبعد الصلاة أما القنوت في الفريضة فهذا لابد من الرجوع فيه إلى أهل العلم وأهل الفتوى لأنهم هم الذين يقدرون النوازل التي يشرع من أجلها القنوت والنوازل التي لا يقنت فيها والصلاة كما تعلمون عبادة لا يجوز أن يضاف إليها شيء ويدخل فيها شيء إلا عن طريق أهل العلم الراسخين في العلم الذين يقدرون الحوادث والنوازل التي تستدعيالقنوت في الفرائض وليس هذا مفتوحا لكل أحد يتلاعب في الصلاة ويزود فيها وقد يدعو في حالة لا تستدعي القنوت وقد يستدعي لأناس لا يستحقون الدعاء لهم بما عندهم من المخالفات العظيمة فالذي يقدر هذا هو أهل العلم والمرجع في هذا أهل العلم ، ويكون بأمر ولي الأمر بعد فتوى العلماء .
( من شريط فتاوى العلماء في الجهاد . بواسطة : الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص 209 ، لــ محمد الحصين ) .
وهذه فتوى أخرى صوتية للشيخ الفوزان حفظه الله :
http://alfawzan.ws/sites/default/files/3278.mp3
هذا ما تيسر ذكره وإيراده
والله من وراء القصد
والحمد لله رب العالمين
كتبه / منصور بن عبد الله العازمي
6 / رجب / 1433 هـــ