ما هو طريق التعامل بين الزوجين إذا كان أحدهما عصبيًا أو عنيدًا؟
يقال: يجب أن يُعلم أن الزواج نعمة من نعم الله، كما قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم:21]، فالزواج نعمة من نِعَمِ الله، وهذا الزواج حتى يكون زواجًا موفقًا، بعد توفيق الله ورحمته وكرمه يحتاج إلى أمور، منها:
أولًا: الدعاء؛ فالدعاء مفتاح كل خيرٍ؛ لأن الدعاء طلبٌ من الكريم سبحانه، والله سبحانه يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186]، كم من أمرٍ كان يظن أنه مستحيل، أو شبه مستحيل، أو أنه مغلق، فَفُتِح وانفرج، وتسهَّل بعد الدعاء.
ثانيًا: القيام بطاعة الله؛ إن الطاعة سببٌ عظيم للألفة والاجتماع، ويقابل ذلك المعصية، فإنها سببٌ عظيم للاختلاف، كما قال سبحانه: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[البقرة:213]، أي: لما وقع ذنب البغي والمعصية افترقوا واختلفوا، فالذنوب والمعاصي سبب كُلِّ بلاء، وكما قيل: “ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة”، ومن ذلك ما يحصل من خلاف بين الزوجين.
ثالثًا: ينبغي للزوجين أن يتطاوعا وأن لا يختلفا، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أرسل أبا موسى ومعاذ إلى اليمن، قال -صلى الله عليه وسلم-:‹‹تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا››، فينبغي للزوجين أن يتطاوعا قدر الاستطاعة، وأن لا يختلفا، وأن يتطاوعا في غير معصية الله.
والأصل في هذا أن تكون المرأة طائعةً لزوجها؛ لأن القوامة في يد الزوج، كما قال سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء:34]، لكنْ لابد من التطاوع بين الزوجين، بين الزوج والزوجة، ومحاولة التقارب قدر الاستطاعة.
ومن ذلك، إذا كان أحد الزوجين عصبيًا، أو عنيدًا- كما يقول السائل- فالمفترض على الزوج الآخر إذا غضب أحد الزوجين يُفترَض أن لا يقابله الآخر بغضبٍ مثله، وإنما يغض الطرف عنه حتى يهدأ، ثم يستطيع بعد ذلك أن يتشاور، وأن يحصل على مراده، ويكون تشاورهما وتباحثهما بعد ذهاب الغضب أوفق وأرجح لحصول المصلحة.
رابعًا: ينبغي التغافل بين الزوجين؛ لا يصح للزوجين أن يدقق بعضهم على بعض، وأن يشدّد بعضهم على بعض، وكلما رأى للآخر خطأ انتقده.
وإنما ينبغي أن نتغافل، فإن التغافل سببٌ عظيم للعافية، كما قال الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿فعَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾[التحريم:3].
قال الإمام أحمد: ((تسع أعشار العافية في التغافل)).
فالله الله أن نعمل بخُلق التغافل، ففيه خيرٌ عظيم للصلاح بين الزوجين وبين غيرهم.
خامسًا: ينبغي للزوج والزوجة أن يتذكرا ما عند زوجه، أو عند زوجته من المحاسن، حتى يألفها ويرتاح إليها، ويُقبِل عليها، كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ‹‹لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ››.
فاللهَ اللهَ أن يحاول قدر الاستطاعة أن يتوافقا، فإن مما يؤلم أن عدد الطلاق زاد في مجتمع المسلمين، وكثر الطلاق بين الأزواج، ومن أسباب ذلك ما تقدم ذكره.
فالله الله أن نتغافل، وأن نتطاوع، وإذا غضب أحد الزوجين لم يقابله الآخر بالغضب نفسه، بل يعاوده الكَرَّة، لعل وعسى أن يستجيب، وإذا قُدِّر أنه لم يستجب، فليدع هذا الأمر، والأمور كثيرة، ولله الحمد، والحياة الزوجية أكمل وأكبر من أن يُلتفت إلى بعض الأفراد التي يحصل فيها خلافٌ.
أسأل الله أن يؤلِّف بين الأزواج، وأن يرزقهم ذرية صالحة، وأن يجعل زواجهم زواج خير وبركة، إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا