إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
فإن من رحمة الله بعباده أن فرض عليهم في أموالهم زكاة قليلة تكون زادًا يوم القيامة، وتوسعة على إخوانهم المحتاجين من الفقراء وغيرهم .
وهذه الزكاة واجبة بل ركن من أركان الإسلام أخرج الشيخان عن ابن عمر قال: قال ﷺ :”بني الإسلام على خمسة، على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصيام رمضان “
ومن لم يؤدها فهو مرتكب لكبيرة مهلكة قال تعالى { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35]
وللزكاة شروط منها : ملك النصاب المحدد شرعًا، فليس كل مقدار من المال فيه زكاة، بل مقدار محدد سيأتي ذكره -إن شاء الله –
ومن شروطها: مضي الحول فليس في مال زكاة إلا إذا مضى عليه سنة كاملة إلا الخارج من الأرض أو نتاج بهيمة الأنعام أو ربح عروض التجارة على ما سيأتي بيانه – إن شاء الله – .
والأموال التي تزكى كالتالي:
أولًا/ بهيمة الأنعام ؛ وهي الإبل والبقر والغنم، حكى الإجماع ابن المنذر وابن تيمية، ومن الأدلة حديث أبي بكر في الصدقات رواه البخاري ، وليس فيها زكاة حتى ترعى أكثر الحول قال ﷺ في حديث أبي بكر في الصدقات: وفي صدقة الغنم في سائمتها ” وثبت عند أحمد وأبي داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال رسول الله ﷺ :” في كل سائمة إبل ..”
وأقل نصاب الإبل خمس قال ﷺ ، قال رسول الله ﷺ في كتاب أبي بكر في الصدقات:” ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة” رواه البخاري، وحكى ابن عبد البر الإجماع .
وأقل نصاب الغنم أربعون ، كما في حديث أبي بكر في الصدقات، وحكى ابن عبد البر الإجماع .
وأقل نصاب البقر ثلاثون كما ثبت عن علي بن أبي طالب ، أخرجه عبد الرزاق، وحكى الإجماع ابن عبد البر .
وفي الجاموس زكاة وهو تبع للبقر بالإجماع كما حكاه ابن المنذر .
ثانيًا/ الخارج من الأرض، قال تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام: 141] وهو الحنطة والشعير والزبيب والتمر، أفتى بهذا أبو موسى الأشعري أخرجه ابن أبي شيبة .
فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها الزكاة، قال أبو سعيد: قال رسول الله ﷺ :” ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ” متفق عليه ، ومقداره (900 ) كيلو
ومقدار زكاة ما سقي بالسماء العشر، وما سقي بالكلفة والآلات نصف العشر ، عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله ﷺ:” فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريًا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر : رواه البخاري
ثالثًا / الأثمان: وهي الذهب والفضة ومنها النقود في زماننا .
ونصاب الفضة مائتا درهم وهي تعادل 595 غرامًا، وفي حديث أبي بكر في الصدقات:” فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها “
ونصاب الذهب عشرون دينارًا، وهي تعادل 85 غرامًا، وثبت عن علي بن أبي طالب أنه قال:” ليس في أقل من عشرين دينارا شيء، وفي عشرين دينارا نصف دينار، وفي أربعين دينارا دينار فما زاد فبالحساب” أخرجه ابن أبي شيبة
ومقدار ما يخرج منهما ربع العشر، كما في حديث أبي بكر في الصدقات :” وفي الرقة ربع العشر ” وثبت عن علي بن أبي طالب أنه قال:” ففيها نصف دينار ” أخرجه ابن أبي شيبة
والمراد الذهب الصافي وهو عيار (24)، فإن عيار واحد وعشرين ، أو ثمانية عشر من الذهب ليس صافيًا، بل مخلوط بغيره.
وطريقة إخراج الصافي أن تضرب كمية الذهب الذي تريد زكاته بقيمة الذهب اليوم ثم تقسمه على أربعين فتخرج زكاته، فلو فرضًا أن تريد زكاة مائة غرام ذهب فتضربه بقيمة الذهب اليوم، وهو ألف ريال مثلًا، فتكون النتيجة مائة ألف فتقسمه على أربعين ثم تخرج زكاته .
أما ما كان من عيار ثمانية عشر أو واحد وعشرين، فطريقة إخراجه أن تضرب كمية الذهب في عياره ثم تقسمه على أربعة وعشرين ثم النتيجة تضرب في قيمة الذهب في يوم إخراج زكاته ثم تقسم على أربعين لتخرج زكاته .
فلو أن كمية الذهب مائتا غرام وعياره ثمانية عشر، فنضرب المائتين في ثمانية عشر ثم نقسمه على أربعة وعشرين ثم النتيجة تضرب في قيمة الذهب في يوم إخراجه ثم نقسمها على أربعين فتخرج زكاته .
ولمعرفة نصاب النقود يراجع الصاغة أو مواقع الشبكة العنكبوتية ( الانترنت) لمعرفة قيمة الدينار من الذهب أو الدرهم في يوم إخراجه فإذا بلغ النصاب بأحدهما ففيه الزكاة .
ونصاب الزكاة اليوم 1838 ريال تقريبًا .
رابعًا/ عروض التجارة ، والدليل على زكاتها فتاوى الصحابة ، كما صح عن عمر وان عمر وابن عباس، وقد أجمع العلماء على ذلك قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وابن عبد البر وابن قدامة،
فكل شيء يتخذ للتجارة ففيه زكاة سواء كان سيارات أو ملابس أو غيرها .
ومقدار النصاب من عروض التجارة كالأثمان -كما تقدم- مع مراعاة الأحظ للمساكين، والأحظ للمساكين في زمننا أن تعامل معاملة الفضة .
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه تنبيهات تتعلق بالزكاة :
أولًا/ نتاج بهيمة الأنعام وعروض التجارة لا يشترط أن يمضي عليه الحول، بل حوله تبع لأصله، فمن تاجر بمائة ألف ثم قبل مضي الحول بشهر ربح خمسين ألفًا فإنه يزكي الخمسين والمائة ألف(150000)؛ لأن النتاج تبع لأصله بالإجماع كما حكاه ابن قدامة .
ثانيًا/ أن أداء الزكاة على الفور فلا يجوز أن يؤخر إخراجها فمتى وجبت في حقه وجبت عليه المبادرة لإخراجها لأن الأمر للفور، وما أكثر ما يفرط بعض المسلمين في هذا تكاسلًا أو طمعًا .
ثالثًا/ أن للدين مع الزكاة أحوالًا:
1/ أن الدائن -وهو المقرض- لا يزكي المال إلا إذا كان الدين على رجل يقضيه له متى ما أراده أما إذا لم يكن كذلك بأن كان على معسر أو مماطل فلا يزكيه كما تبت عن عثمان وابن عمر –رضي الله عنهما-.
2/ لا زكاة على المدين – وهو الذي اقترض المال – بشرط إذا حلت الزكاة أن يقضي الدين للدائن -وهو صاحب المال- فإن لم يقض الدين مع وجوده بيده فإنه يزكيه، فلو فرض أن رجلًا يطالبك بمائة ألف فإذا حلت الزكاة وعندك المال كله أو بعضه فإما أن تقضيه فلا تزكيه أو ألا تقضيه فتزكي الذي عندك ،أخرج مالك في الموطأ بإسناد صحيح أن عثمان بن عفان كان يقول: ” هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليؤد دينه. حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة” .
3/ الدين لا يمنع زكاة الأموال الظاهرة كالخارج من الأرض وبهيمة الأنعام؛ لأن رسول الله ﷺ كان يرسل السعاة وما كان يسأل أهل الأموال عن الدين الذي عليهم.
رابعًا/ يجب التحري في دفع الزكاة لمستحقيها وألا يغتر بالجهات المجهولة بل يدفعها لمن تأكد بأنه من مستحقيها أو يدفعها للجهات الموثوقة التي تشرف عليها الدولة كمنصة إحسان وفرجت.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
اللهم أنا نعوذ بك من علم لا ينفع ونسألك العلم النافع