مباينة الأشاعرة لأهل السنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اهتدى بهداه.
أما بعد؛ فإن الله قد حفظ على هذه الأمة عقيدتها التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم التابعون وأتباعهم، وأئمة الهدى، وأهل الحديث، كالأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وابن المبارك، ومالك، وإسحاق بن راهويه، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، والبخاري، وابن خزيمة.
ولقد نشأت عقائد ونحل مخالفة لهذا الحق، كما جاء به الخبر في حديث الافتراق، ومنها الاعتقاد الذي عليه المنتسبون لأبي الحسن الأشعري رحمه الله.
وهذا الاعتقاد مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة في أصوله وآحاده، ومع ذلك حاول جماعة ترويجه، بدعوى أنه يوافق ما عليه الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الملة من أهل السنة والجماعة. ولا شك أن هذا من المغالطات الظاهرة، بل من الكذب البيّن، والافتراء على أئمة المسلمين، وتسوية الحق بالباطل.
ولكشف هذه المغالطة، ورد هذا البهتان العظيم، إليك هذا الموجز الذي يبين الحقيقة، ويجلي الفرق بين اعتقاد السلف و الأشاعرة، فأقول مستعينا بالله وحده:
أولا : من المعلوم أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت324) رحمه الله، مرّ بأطوار في معتقده، فكان على طريقة المعتزلة، ثم على طريقة عبدالله بن سعيد بن كلاب، ثم رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ودوّن ذلك في كتابه ( الإبانة) وفي رسالته إلى أهل الثغر وفي (مقالات الإسلاميين ).
ثانيا : لم يتابع الأشاعرة أبا الحسن على قوله الأخير الذي استقر عليه، وسار فيه على طريقة الإمام أحمد وأهل السنة، بل أخذوا بما كان عليه في طوره الثاني، وهو مذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب، كما تأثر متأخروهم بالمعتزلة والجهمية ونحوهم من النظار والمتكلمين، ووافقوهم في كثير من المسائل، كدليل إثبات وجود الله، وفي خلق الأسماءالحسنى،وفي صفات الأفعال، وبعض الصفات الذاتية كاليدين والوجه والقدم والعينين .
ثالثا : أن الأشاعرة المتأخرين خالفوا المتقدمين من أصحاب الأشعري الذين وافقوه في إثبات الصفات الخبرية كأبي الحسن الطبري، وأبي عبد الله بن مجاهد الباهلي، ثم من بعدهم كالباقلاني والإسفراييني. وأما متأخرو الأشاعرة كالجويني والغزالي، فلهم في الصفات مذهبان : التأويل، والتفويض .
رابعا : خالف الأشاعرة أهل السنة في منهج الاستدلال، وبالضرورة وقعت المخالفة في المعتقد، ومن ذلك: تقديمهم العقل على النقل، وتركهم الاحتجاج بخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد، وهو خلاف ما عليه أبو الحسن الأشعري رحمه الله .
خامسا : الأشاعرة في الإيمان مرجئة ، وفي القدر جبرية ، ولا يثبتون من الصفات سوى سبع ، وهي الصفات العقلية السمعية ، مع اختلاف مع أهل السنة في طريقة الإثبات ، ومنهم من يسلك طريق التفويض ( تفويض المعنى والكيفية ) خلافا لأهل السنة الذين يفوضون الكيفية دون المعنى المعلوم باللسان العربي المبين .
كما أن الأشاعرة ينكرون علو الله على خلقه ، واستواءه على عرشه ، ويؤولونه بالاستيلاء ، ومآل قولهم في القرآن وكلام الله إلى أنه مخلوق ـ وإن كانوا لا يصرحون بذلك ـ ، ويرون أن أول واجب على المكلف هو النظر، وليس التوحيد ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) إلى غيرها من المسائل .
وكل هذا مخالف لما عليه أئمة السلف، كما هو مبسوط في كتب الاعتقاد الموسعة،وكتب الملل والنحل .
سادسا: ولمخالفتهم طريقة السلف وقع جماعة من نظارهم في الحيرة والتناقض، ومنهم من صرح برجوعه إلى مذهب أهل الحديث، وطريقة السلف، كالغزالي والجويني والشهرستاني والرازي.
سابعا: صرح طوائف من الأشاعرة بأن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم .
ثامنا: وبناء على ما تقدم فنسبة الأشاعرة إلى مذهب أهل السنة نسبة باطلة، وانتحال أئمة السلف ـ تأييدا لهذا المذهب المبتدع ـ باطل، والحق أن الأشاعرة مخالفون لأهل السنة حقيقة ونسبة .
هذا ما تيسر ذكره على جهة الاختصار، سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم على الإسلام والسنة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
كتبه/ عبد العزيز بن محمد السعيد
2/10/1435هـ