متعصب يذم التعصب
جاءني متحمسا منتشيا يقول: انس جميع علمائك ومشايخك فهم لا يساوون شيئا أمام علم هذا العالم العلم الذي لقيته، فإني ما صادفت أحدا في الدنيا بلغ منزلته، ولو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه لما حنثت.
قلت: رويدك أخي؛
فإن العالم مهما بلغت منزلته يحتج له ولا يحتج به، والعلماء عند أهل السنة نجوم يهتدى بها في ظلمات التيه.
ومن أطلق هذه المقالة من السلف كان يعرف للعلماء قدرهم ومنزلتهم ومكانتهم كما هو متقرر في الشريعة، وهذا أمر واضح عندهم بحمد الله لا جدال فيه ولا ينازع في تأصيله عاقل.
أما إذا ادعينا العصمة للعالم، فهو عند ذلك لم يعد دالا على كلام الله ورسوله ولم يعد هاديا مهديا بل صار داعية لأهوائه وبدعه وضلالاته.
وهو إذا كان من العلماء حقا؛ فإن المظنون به أن يخاف ربه ويتق يوم لقائه ولا يدع شيئا ليس له، ولا يتنطح إلى مقام لا سبيل إليه..
بل إن علمه بالكتاب والسنة سيجعله أعظم اتباعا وأشد تمسكا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد هضما لنفسه واستصغارا لعارضته العلمية من أن تقارن بكبار علماء الإسلام ناهيك أن يظن أنه قد بلغ منزلة من رسوخ القدم في العلم تجعله في منزلة المعصوم من الخطأ والمنزه عن أن يداخل علمه شيء من الزلل.
وهذه العصمة لا أحد يدعيها، ولن تجد أحدا من تلامذته يلبسه رداءها، لكن شاهدها قبول هذا المقلد لكل ما يصدر عن شيخه، وتعصبه له وحده، واحتقاره لغيره من العلماء المعاصرين وتجهيله لهم.
يسمع الإنسان عن التعصب للأئمة المجتهدين وأن بعض مريديهم يضع الأحاديث ويختلق الأكاذيب نصرة لمذهبه واحتجاجا لمعظمه وافتراء على مخالفيه، بل إن بعضهم يصرح بأن كل ما خالف قول إمامه من الآيات والأحاديث منسوخة أو مؤولة.
فيعجب الناظر من هذه المقالات ويستغرب صدورها عن من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم نبيا وصدق بالوحي الذي أنزل عليه، ويتساءل كيف تبلغ الجرأة بهؤلاء الجامدين على اختيارات الأئمة أن يعرضوا عن النصوص الواضحة الجلية ويقدموا عليها أقوال أئمتهم واستحساناتهم.
لكنه لا يلتفت إلى نفسه ولا ينظر في تعصبه الأعمى وغلوه المقيت، فيظل عمره أسيرا لمتبوعه، لا يقبل هداية من غيره ولا خيرا إلا إذا جاء من طريقه.
كتبه محمد بن علي الجوني
18ذو الحجة 1435