معاداة سلمان العودة للمنهج السلفي والفرقة الناجية بنقده لما وَصَفَه
بــ (تيار اجتماعي وحيد والتعبير الفريد عن التدين)
السؤال: قال د. سلمان العودة:
من العدل أن لا يقوم تيار اجتماعي بتسيّد الموقف وكأنه الخيار الوحيد، أو هو التعبير الفريد عن التدين والالتزام والقيم، فالشريعة فيها تنوعٌ، ويكفي ملاحظة المذاهب الأربعة ثمَّ الفقهاء السبعة، ثمَّ العشرة لتدرك ثراء الفقه الإسلامي واتساع دائرة التطبيقات البشرية الاجتهادية المؤمنة بمرجعية الشريعة. (د. سلمان العودة)
* تعقيب على كلام د. سلمان العودة
قلت: (عبد العزيز )
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعد:
فهذا ردٌّ مختصر يبدأ بمقدمة ومن ثمَّ نقض لما قاله وأذاععه بالأصول والأدلة الشرعية:
أولاً: المقدمة:
لقد بدأ د. سلمان العودة هجومه على جهة معينة؛ قائلاً في وصفها ورسم ملامح المنهج الذي جعلته خيارها الأوحد: (من العدل أن لا يقوم تيار اجتماعي بِتَسَيّدِ الموقف وكأنه الخيار الوحيد).
قلت: لا شكَّ أنَّ مُرادَ سلمان العودة يُنبئ عن ضيقٍ ومعاناةٍ من طريقة أهل السُّنة؛ التي اتخذت المنهاج السلفي خياراً للإيمان المطلق بأنه الحق؛ فهو المنهج الوحيد الموصل لعبودية الله وحده لاشريك له، ومعرفة الدين الذي اختاره ربُّ العالمين للثقلين؛ فعبادة الله والقرب منه لا يكون إلا بالاتباع والامتثال لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [الكتاب والسنة] بأفهام سلف الأمة أعني: الصحابة ومن تبعهم من التابعين، ومن بعدهم بإحسان.
فقد ضَيَّقَ المنهح السلفي وطريق أهل السُّنة الخِناقَ على الباطل حتى أصبح ذلكم المنهاج؛ معوقاً للانحراف كالانفلات الذي أصاب سلمان العودة وأمثاله؛ فكان سداً منيعاً أمام ما يُنشر من الرأي الرديء وسَقْطِ المتاع، كالخزعبلات التي هي ثمرة ما يخرج من عقول القوم.
وقد ضاق د. سلمان العودة ذرعاً بمحيطه لعدم رواجِ بضاعته المُزجاة؛ فما كان منه إلا إعلان تمرُّدِه على منهاج أهل السُّنة وأصحاب الحديثِ، مُظْهِراً سخطه ومُعْلِناً أنَّ الظلم في السير على هذا المنهج.
فَأُشرب رأياً باطلاً يريد الخروج على أصول وضوابط المنهج السلفي، واتهام أهل السنة- السلفيين- بالظلم- ظلم أهل الأهواء والبدع – وكذلك من يرى أنه المنهج الحق فيتمسك به ويدعو إليه.
فقال: (من العدل أن لا يقوم تيار اجتماعي بِتَسَيّدِ الموقفِ وكأنه الخيار الوحيد) وبدأ الدفاع عن المناهج المنحرفة، والدعوة للدعوات والسبل المعوجة، فقال: ( بِتَسَيّدِ الموقفِ وكأنه الخيار الوحيد، أو هو التعبير الفريد عن التدين والالتزام والقيم) وهذا تشكيكٌ بَيّنٌ، بل طعنٌ في منهاج أهل السُّنة ودفاعٌ عن الفِرقِ والطوائف المنحرفة،ِ والمناهجِ التي كانت خياراً للمنحرفين؛ المبتدعة وأهلِ الأهواء.
وأمَّا ما ذكره العودة من وجود خلافات فقهية ليمهِّد به الطريقَ لقبولِ الخلاف في مسائل الإيمان والتوحيد والأمور الغيبية، وباقي أبواب الاعتقاد، حتى تصبح الخلافات العقدية أمراً يسع فيه الخلاف ويقبل فيه الاجتهاد.
إنَّ سلمان العودة يسعى حثيثاً ليُوجد مُسوغاً للخلاف العقدي، فيمرّره على عقلِ القارئ كما ســَوَّغ للخلاف الفقهي- الخلاف الفقهي له ضوابط- مُوهماً القارئ والسامع بصحة رأيه، ومُعللاً لثورتِه وإعلانِ عدائه وسخطه على منهج أهل السُّنة وأصحاب الحديث.
(لماذا ذكر سلمان العودة الخلافات الفقهية؟ وما حقيقة مراده؟!)
ولكي نبين حقيقة مراد سلمان العودة فلا بد من النظر في دعواه؛ فإن كان الأمر متعلقاً بالفقه كما يدعي، فإنه يرسم فرضيات ويتكلم عن أحلامٍ، ويسبح في خيالٍ غير موجود في الجزيرة العربية.
فلا وجود لعملٍ فيه فرض لمذهبٍ فقهيٍ بعينه وإلزام للمسلمين به – حتى في عقل سلمان نفسه – فأين نجد قوله: (من العدل أن لا يقوم تيار اجتماعي بِتَسَيــّدِ الموقفِ وكأنه الخيار الوحيد، أو هو التعبير الفريد عن التدين والالتزام والقيم، فالشريعة فيها تنوع).
ولذا لا بد أن يعلم القارئ أنَّ السعة في الاختيارات الفقهية وعدم إلزام المسلم التعبُّدَ بمذهبٍ فقهيٍّ سائدة من قبلِ أن يُولد سلمان العودة؛ فمدرسةُ الإمامِ ابنِ بازٍ- رحمه الله – واضحةُ المعالم في العالم عامة، وفي جزيرة العرب خاصة، واختياراته الفقهية ومخالفته لشيخه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- مفتي عام المملكة السعودوية سابقاً- أشهر من أن تذكر، وكذلك ينبغي ذكر العلامة ابن عثيمين- رحمه الله- فقد كان مدرسةً فقهيةً قائمةً على الكتاب والسُّنة بلا تعصبٍ لمذهب أو رأيٍّ، وقد بلغت جهوده واختياراته الآفاق.
ونجد لزاماً التذكير بجهود أسدِ السُّنَّة العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله-، فقد كان لاختياراته قبول وانتشار لا مثيل لهما في جزيرة العرب وخارجها.
فلست أدري ما الذي يتكلم عنه سلمان العودة؟!
وإلى ماذا يهدف؟!
ولكن لعل القارئ وقف على غاية ذلك الرجل!!
وأين يصوِّبُ نظره عندما يقول: (ويكفي ملاحظة المذاهب الأربعة ثم الفقهاء السبعة، ثم العشرة لتدرك ثراء الفقه الإسلامي)؟!
وقد ذكرنا فيما تقدم إشارة إلى الثراء الفقهي تمثيلاً بجهود العلماء الثلاثة ابن باز والألباني وابن عثيمين، وقد جمع بعض الناس المسائل التي اختلف فيها الأعلام الثلاثة في مصنف.
وأمَّا ما كان متعلقاً بالمنهاج فكلُّ الأعلام الثلاثة- ابن باز والألباني وابن عثيمين- على منهجٍ واحدٍ بلا خلاف؛ فلا يسع الخلاف أحداً في هذا الباب، وهذا المنهج والمعتقد متفرِّدٌ بالحق، ويرون أنَّ الحقَ منحصرٌ فيه مستسلمٌ للنقلِ غير خاضعٍ للعقل، فليس للاجتهاد إليه سبيلاً، وينبغي أنْ يتَسَيّد القلوبَ والعقولَ دون غيره من المناهج الضَّالة والسُّبلِ المنحرفة.
(بيان أنَّ المنهجَ السَّلفي حقٌ وغيره باطلٌ)
ثانياً: مخالفة مقالته للأصول والأدلة الشرعية ومنها:
- روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث معاوية والمغيرة بن شعبة وثوبان وغيرهم- رضي الله عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». وفي رواية في “الصحيح”: «لا تزال طائفة مستقيمة».
- إن هذا الكلام الباطل لسلمان العودة يمثلُ طريقَ الانحرافِ والسبيلِ الذي سلكه منذ زمنٍ؛ فإنَّه يمارسُ اعتداءً صريحاً على المنهج السلفيِّ، وطعناً في طريقة أهل السُّنةِ، وجهلاً أو سخرية بالطائفة المنصورة والفرقة الناجية.
فإنَّ الفرقة النَّاجية هم أصحابُ الحقِّ والنهجِ الواضحِ المنفرد الذي ينبغي أنْ يهيمن على غيره من المناهج ويقود الآخرين إلى الحق، فلن يقدم أهل السُّنة تنازلات للفِرق المنحرفة عن الصراط المستقيم باسم التعدُّد والاختلاف في الآراء الذي زيّنه له الشيطان.
- وروى الإمام أحمد في «المسند» وأبو داود في «سننه» ما ثبت صحته من حديث معاوية- رضي الله عنه- قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، وللحديث شواهد من وجوه عدة.
- لقد كتب الله كوناً الفُرقة والاختلاف بين المسلمين فأصبح فيهم السُّني وفيهم البدعي.
فلماذا يريد سلمان العودة جمع الفِرق والطوائف؛ أهل الحق وأهل الباطل في فِرقة واحدة؟!
- ولماذا يريد إزالة الحواجز بين أهل السنة وفرق المبتدعة؟!
إن هذا تلبيسٌ للحق بالباطلِ وإهمالٌ وإلغاءٌ للولاء والبراء بين أهل السُّنة ومخالفيهم من الفِرق والطوائف.
- وروى الإمام أحمد في «المسند» بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثمَّ قال: «هذا سبيل الله مستقيماً»، وخطَّ خطوطاً عن يمينه وشماله ثمَّ قال: «هذه السُّبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثمَّ قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
- لماذا يا د. سلمان العودة تريد أن تجعل السُّبلَ التي كتب الله عليها التفرُّق وعدم الالتقاء في سبيل واحدٍ؟ ولماذا تخلط النور بالظلمات؟!
- اللهم أسألك وإخواننا الثبات على السُّنة حتى نلقاك، واللهم ثبت قلوبنا على الحق.
كتبه. عبد العزيز بن ندى العتيبي
24 من ذي الحجة 1434هـ
29/ 10/ 2013 من التاريخ الإفرنجي