ومعنى التدبُّرِ التفهُّمُ والتفكرُ في كتابِ اللهِ، إلَّا أنهُ في الأزمانِ الفاضلةِ كرمضانَ، والأماكنِ الفاضلةِ كالحرمِ المكِّيِّ ، يُستحبُّ الإكثارُ مِنْ قراءةِ القرآنِ، وأنْ تُقدَّمَ كثرةُ قراءتهِ على تدبُّرهِ، كما فعلَ ذلكَ سلفُ هذهِ الأمةِ، فقد كانوا يكثرونَ قراءةَ القرآنِ في الأزمانِ الفاضلةِ والأماكنِ الفاضلةِ، فأكثِروا من قراءةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ، ومما يعينُ على كثرةِ القراءةِ مجاهدةُ النفسِ على وردٍ يوميٍ، ومن لم يفعلْ ذلكَ ففي الغالبِ ينشطُ تارةٍ ويكسَلُ تاراتٍ.
وإذا مرَّتْ بِكَ آيةٌ مُشكلةٌ أو لفظٌ مُشكلٌ في القرآنِ، فحاوِلْ أنْ تفهمهُ بالرجوعِ إلى التفاسيرِ المُيسَّرةِ، ومِنْ أحسَنِها تفسيرُ العلامةِ عبدِ الرحمنِ بنِ سعديّ -رحمه الله تعالى-، وهوَ متوفرٌ متيسرٌ في المكتباتِ والجوالاتِ والمواقعِ الإلكترونيةِ وغيرِ ذلكَ.
والأحسنُ إذا مرَّتْ بِكَ آيةٌ مُشكلةٌ، قيِّدهَا ولا تتوقَّفْ مِنْ قراءةِ وِردِكَ، ثُمَّ إذا انتهَيْتَ من وردِكَ ارجِعْ وتفهَّمِ الألفاظَ والآياتِ المُشكلةَ عندكَ حتى لا ينقَطِعَ عليكَ وِردُكَ.
الحكمُ الرابعُ: إنه عِندَ قراءةِ القرآنِ تمرُّ بِنَا آياتُ السجدةِ، وعلى أصحِّ أقوالِ أهلِ العلمِ هيَ خمسَ عشرةَ آيةً، ولها علامتُهَا المعروفةُ، ويُستحبُّ لمَنْ قرأَ آيةَ السجدةِ أنْ يسجُدَ عِندهَا، ولها فضلٌ عظيمٌ، وهو ما روى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ».
واللهِ لو لَمْ يكُنْ مِنْ فضلِها إلا أنْ يُبكَى الشيطانُ، لكانَ حَريًّا بِنَا ألَّا نُضيِّعَ السجودَ عندَ آياتِ السجدةِ، ويقالُ في سجودِ التلاوةِ ما يقالُ في بقيةِ السجداتِ.
الحكمُ الخامسُ: لا يجوزُ لمن عليه حدثٌ أصغرُ أنْ يمَسَّ المصحفَ بِلا حائلٍ ، وقَدْ أجمعَ الصحابةُ والتابعونَ على ذلكَ، كما حكاه جمعٌ مِنْ أهلِ العلمِ، كإسحاقِ بن راهويه، وشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، وابنِ عبدِ البرِّ، وابنِ قدامةَ، وابنِ رجبٍ، ويجوزُ أنْ يقرأ القرآنَ مِنْ حِفظهِ دونَ مسهِ، أو أنْ يمسَّ المصحفَ بحائلٍ كأنْ يقرأَ في الجوالِ، فالقراءةُ في الجوالِ كالقراءةِ في المصاحفِ فلا فرقَ، لكن يجوزُ مسَّهُ؛ لأنهُ مَسٌّ للمصحفِ بِحائلٍ.
ورَوى البيهقيُّ في كتابهِ (الخلافيات) عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- أنهُ ليسَ للجُنُبِ أنْ يقرأَ القرآنَ مِنْ حِفظهِ.
إذَنْ مَنْ عليهِ حدَثٌ أصغرٌ يجوزُ أنْ يقرأ القرآنَ مِنْ حِفظهِ، لكن لا يجوزُ لهُ أن يمَسَّهُ بِلا حائلٍ، أمَّا مَنْ عليهِ حدَثٌ أكبرُ كالجنابةِ فلا يقرأُ القرآنِ مِنْ حِفظهِ ولَا يَمسَّهُ مِنْ بابِ أولَى.
الحكمُ السابعُ: إنَّ عندَ خَتمِ القرآنِ دعوةً مُستجابةً، فاهتَبِلوا الدعواتِ عِندَ خَتمِ القرآنِ، ثبتَ عِندَ ابنِ أبي شيبةَ عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- أنهُ كانَ إذا ختمَ القرآنَ جمعَ أهلهُ ودعَا، لكن لا يجوزُ أنْ يُخصصَ دعاءٌ مُعيَّنٌ عند ختمِ القرآنِ ومَا يظنُّ بعضُ الناسِ مِنَ أن لشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ دعاءَ ختمِ القرآنِ فلا يَصِحُّ عَنْ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ -رحمه الله تعالى-، وإنما المستحبُ أن يدعوَ كُلُّ أحدٍ بالأدعيةِ القرآنيةِ، والأدعيةِ النبويةِ، وما يحتاجُ إليهِ.
واعلموا أنَّ مَنْ ختمَ القرآنَ فإن الملائكةَ تُصلِّي عليهِ، فإنْ ختمَهُ في النهارِ تُصلِّي عليهِ الملائكةُ حتى تغرُبَ الشمسُ، وإذا ختمهُ في الليلِ تُصلِّي عليهِ الملائكةُ حتى يطلُعَ الفجرُ، ثبتَ هذا عَنْ السلفِ، فقدْ روَى أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامِ عَن إبراهيمَ التيميِّ أنَّهُ قالَ: مَنْ ختمَ القرآنَ في أوَّلِ النهارِ صلَّتْ عليهِ الملائكةُ بقيَّةَ نهارهِ، ومَنْ ختمَ القرآنَ في أوَّلِ الليلِ صلَّتْ عليهِ الملائكةُ بقيَّةَ ليلهِ.
قالَ العلماءُ كالإمامِ أحمدَ: إذا كان الليلُ طويلًا فاختمْ القرآنَ في أولِ الليلِ، وإذا كان النهارُ طويلًا فاختمْ القرآنَ في أولِ النهارِ حتَّى تُصلِّي عليكَ الملائكةُ أطولَ وقتٍ، فمن قارب الختمةَ وبقيت عليه سورٌ فليتوقفْ عن هذه الختمةِ حتى يجعلها أولَ الليلِ أو النهارِ، وليبدأْ قراءةً جديدةً من الفاتحةِ ثم البقرةِ وهكذا.. وعند أول النهارِ أو الليلِ يكملُ ختمتَهُ السابقةَ مع الدعاءِ.