من أولى بالإنكار سلمان أم عدنان
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فإن من أصول أهل السنة والجماعة الرد على المخالفين وبيان ضلالتهم، وكشف زيفهم، وإيضاح زيغهم .
ذلك أن من أخطر ما يهدد الإسلام وأهله البدع والمحدثات، ولهذا؛ فقد اشتد نكير السلف على المبتدعين حتى وإن كان منهم من هو متين الديانة كثير العبادة.
كان من المبتدعة عمرو بن عبيد وكان زاهداً غير أنه على مذهب القدرية، فاغتر به الخليفة فقال مثنيا عليه: كلكم يمشي رويد كلكم طالب صيد غير عمرو بن عبيد.
لكن لم ينطل أمره على العلماء العارفين فقال قائلهم :
أيها الطالب علماً ائت حماد بن زيد
واستفد علماً وحلماً ثم قيده بقيد
ودع البدعة من آثار عمرو بن عبيد
فلم يشفع له زهده، لجرم بدعته وشناعة عقيدته.
وكان من المبتدعة الكرابيسي، كان ذا شأن في العلم، فهو فقيه من الفقهاء الأكابر، فوقع في بدعة من البدع فتكلم فيه أحمد، فتركه الناس، يقول محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي : اعتبروا بالكرابيسي وبأبي ثور ،فالحسين في علمه وحفظه لا يعشره أبو ثور، فتكلم فيه أحمد بن حنبل فسقط، وأثنى على أبي ثور، فارتفع للزومه للسنة.
وانظروا -رحمكم الله- إلى الإمام أحمد كيف لم يتهاون، بل تكلم الإمام بكل وضوح بما يستحقه هذا الرجل.
والأمثلة من واقع السلف في حماية جناب السنة والذب عنها كثير، وقل مثل هذا في تحذير السلف من أرباب البدعة وأصحاب الشناعة .
إن أسلافنا –رحمهم الله- لم يكونوا يتهاونون مع مبتدع، ولا يداهنون صاحب هوى، وما كان هذا منهم إلا غيرة لله، وحمية لدين الله، ونصحاً للمؤمنين من عباد الله، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيَّ عن بينة.
واليوم، وقد ظهرت البدع ، وأطلت برأسها على أمة الإسلام، فالواجب أن يقوم العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله كما قام أسلافهم، لا تأخذهم في الله لومة لائم في بيان الحق والذب عن حياض السنة المطهرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/ 231): “قال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا؟ فقال: إذا سكت أنتوسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاقالمسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل“.
وقال أيضاً، كما في مجموع الفتاوى (4/ 13):
“فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان “يحيى بن يحيى” يقول:” الذب عن السنة أفضل من الجهاد “.
فبين هذا الإمام الموفق الملهم أنَّ الكلام في المبتدعة من خير الأعمال وأزكى الطاعات، فهو حماية وصيانة لجناب الدين والملة.
وليس هذا فقط، فالسلف كانوا يتشددون حتى على من جالس المبتدعة وماشاهم من دون ثناء منه أو اعتقاد لبدعتهم، قال ابن قدامة: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم.
لما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس، فسأل أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة.
قال: من بطانته؟
قالوا: أهل القدر.
قال: هو قدري.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في شرحه لكتاب “فضل الإسلام” ما نصّه: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب- عفا الله عنه -:” نعم ما فيه شكٌّ، من أثنى عليهم ومدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية“.
إذا تقرر هذا وعلم، فالواجب علينا أجمعين ألا تأخذنا في ديننا محابة لأحد، لأننا يجب أن نحب الحق، ونقدمه على كل أحد، وهذا من مواطن الابتلاء والاختبار.
فمن حاد عن منهج السلف في هذا الباب قلنا له وبكل قوة: أخطأت، فتب إلى ربك، واستغفر لذنبك، فجرمك عظيم، وإفكك مبين.
معشر القراء الكرام:
وكان الداعي لكتابة هذه المقدمة المؤصلة -إن شاء الله- هو أنه سئل وعلى ملأالدكتور سلمان العودة عن عدنان إبراهيم، فقال:
موسوعي.
يمتلك لغة جيدة وقوية.
لديه اطلاع واسع جداً.
ثم ذكر بعض إيجابيات عدنان.
وذكر أن هناك جرأة على بعض النتائج، وهناك حدة، وأنه لا يتفق معه في بعض النتائج.
هذا ما ذكره سلمان العودة عن رجل رأس في الضلال، مع أنه استمع له كثير من المواد.
وهاك بعضاً من ضلالات عدنان إبراهيم، لترى مدى الغيرة الحقيقية لدى سلمان العودة على دين الله تعالى:
عدنان إبراهيم يطعن في الصحابة الكرام، ويقول في عثمان: لم يكن كفؤا في آخر ست سنوات من خلافته، كان ألعوبة بيد بني أمية، خاصة مروان بن الحكم.
ويقول: الصحابة خذلوه؛ ووصفه بالانحراف، فيقول: لما انحرف عثمان، ويصفه أن فرط كثيراً.
ويقول: عنده أخطاء كثيرة.
ويقول عن عائشة: إنها رجلة النساء، ولا أجزم بمصيرها إلى الجنة، أم إلىالنار؟.
ويقول عن أبي هريرة: ليست عنده عفة نفس، بعض الناس قد يموت ولا يفعل أشياء فعلها أبو هريرة.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
بعد هذا: كيف يقال عن صاحب هذا الكلام: موسوعي، ويملك لغة جيدة، ويسكت عن مثل هذه الطامات، وتلك البلايا.
يدعو عدنان إلى فرقة المسلمين، ويتمنى وجود رافضي وسني وإباضي ومعتزلي، ويقول: إشي حلو، كلنا مسلمين.
سبحان الله، التفرق والتمزق شيء حلو!!.
مخالفة السنة، وترك طريق سلف الأمة شيء حلو!!.
الرجل يكذب أحاديث في الصحيحين، ويعارض كتاب الله، كما في مسألة إيمان أبي طالب، فيزعم أنه مؤمن، ويترضى عنه، مع أن الله قال في حق أبي طالب: “إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” ونهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له فقال: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ“.
ينكر بعض الغيبيات كنزول عيسى وخروج الدجال والمهدي المنتظر.
وغير ذلك من الضلال المبين الذي جمعه قلب هذا الضال الأفاك.
فمثل هذا، كيف يتهاون معه، أم كيف يخفف أمره، ويمشى حاله؟!!!.
وهل من فعل هذا إلا مشارك لعدنان إبراهيم في الإثم، مشابه له في الخطيئة، فقد اجتمعا في تضليل الناس والتلبيس عليهم.
فحسبنا الله ونعم الوكيل.
لكن أيهما أولى بالإنكار لديك أيها المسلم؟
ذاك النكرة المجهول الذي سكن ديار الكفرة وتربى فيها، أم الشيخ المعروف الذي طبقت شهرته الآفاق، وهو ابن السنة الذي تربى عليها ونشأ بين أهلها؟
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
د. علي بن جريد العنزي
رئيس قسم الدراسات القرآنية بجامعة الحدود الشمالية وإمام جامع التقوى بعرعر