من حقوق الزوجين على بعضهما


الخطبة الأولى

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ‌وأشهد ‌أن ‌لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا. أما بعد:

فإنّ من آياتِ الله الدالةِ على رحمتِهِ وعنايتِهِ بعبادهِ وحكمتِهِ العظيمة: أَنْ خَلَقَ للرجل زوجةً مِنْ جِنْسِهِ، وَأَلْقَى بَيْنَهُمَا الْمَحَبَّةَ وَالرَّحْمَةَ؛ لِيَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّوَاصُلُ الَّذِي بِهِ دَوَامُ التَّنَاسُلِ، وَانْتِفَاعُ ‌الزَّوْجَيْنِ، وَيُمَتَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فَلَا أُلْفَةَ أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

ألا وإنّ لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا.

ولقد عظّم الله حقَّ الزوجِ فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‌وَلِلرِّجَالِ ‌عَلَيْهِنَّ ‌دَرَجَةٌ} أي: رفعةٌ ورياسةٌ، وزيادةٌ حقٍ عليها، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

فمن حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تحفظَ نفسَهَا ومالَه في غيبته؛ فقد أخبر تبارك وتعالى عن الصالحات من النساء بقوله: {فَالصَّالِحَاتُ ‌قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}، وأضاف -صلى الله عليه وسلم- طاعةَ الزوج إلى مباني الإسلام ورتب على قيامِ الزوجةِ بذلك دخولَ الجنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا صلت المرأةُ خمسَهَا، وصامت شهَرها، وحفظت فرجَها، وأطاعت ‌زوجَها ‌دخلت ‌الجنة) رواه البزّار وصححه الألباني.

ومن حقوق الزوج على زوجته القناعةُ بما عنده وعدمُ تكليفه ما لا يطيق، وعلى هذا كان النساء في السلف، فقد كان الرجل إذا خرج من منزله يقوله له أهله: إياك وكسب الحرام؛ فإنّا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار. وإنّ من أكثر ما يفسد العلاقاتِ الزوجية الولوجَ في المقارنات الفاسدة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ ‌إِلَى ‌مَنْ ‌هُوَ ‌أَسْفَلَ مِنْهُ) رواه البخاري ومسلم.

ومن حقوق الزوج على زوجته أن تشكرَ فضله عليها، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ أنّ النبي   -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ‌تُكْثِرْنَ ‌اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) يعني: الزوج المعاشر، تكفرن نعمته عليكنّ.

ومن حقوق الزوج على زوجته أيضًا ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فأما حقكم على نسائكم، فلا ‌يوطئن ‌فرشَكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتِكم لمن تكرهون)             رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح.

 

عباد الله:

وإذا كانَت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وأداء حقوقه، فإنّ الرجلَ كذلك مأمورٌ بأن يحسن عشرتها؛ فقد قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: طيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وحَسّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ. كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأهْلي) رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح. وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة، دَائِمُ البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤانسهم بِذَلِكَ    -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

عباد الله:

وإنّ من أعظم حقوق الزوجة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله ويحفظَها ويصونَها عن ما حرّم الله، فلا يعرضها للشبهة أو يذهب بها إلى مواطن الفتن، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌قُوا ‌أَنْفُسَكُمْ ‌وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…‌وَالرَّجُلُ ‌رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ) رواه البخاري ومسلم.

ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يكون حَسَنَ الخُلُقِ معها، محتملًا الأذى منها؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ؛ فَإِنْ ذَهَبْتَ ‌تُقِيمهُ ‌كَسَرْتَه، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) رواه البخاري ومسلم.     فليس حسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها.

ويَنْبَغِي على الزوج أَنْ لَا يُبْغِضَ زوجته؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، كأن تكون دَيِّنَةً أو جميلةً ونَحْوَ ذَلِكَ؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَفرَك مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر) رواه مسلم.

ومن حقوق الزوجة النفقةُ عليها بالمعروف؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإنّ حقهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت) رواه الحاكم وصححه.

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإنّ على الزوجين القيامَ بما أوجب الله عليهما من الحقوق؛ امتثالًا لأمر الله وأمرِ رسوله      -صلى الله عليه وسلم-، وعليهما الصبرُ على هذه الحياة، والتعاونُ بينهما على البرّ والتقوى.      فإنّ الله قد رغّب في الصبر حتى مع كراهة الزوجة، قال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} ومن الخير: امتثالُ أمر الله، وقبولُ وصيتِه التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، ومنه: أنّ إجبارَ الزوجِ نفسه -مع عدم محبته لزوجته- فيه مجاهدةُ النفس، والتخلقُ بالأخلاق الجميلة. وربما أنّ الكراهة تزول وتخلفها المحبةُ، كما هو الواقع في ذلك، وربما رُزق منها ولدًا صالحًا نفع والديه في الدنيا والآخرة.

كما أنّ على المرأة الحذرُ من طلبِ الطلاق من غير بأس؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ ‌سَأَلَتْ ‌زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) رواه الترمذي وحسنه.

وإذا كان لا بد من الطلاق؛ فليوقع الزوجُ الطلاقَ على الوجه الشرعي، وليجتنب المخالفاتِ فيه والبدع، وليحسن إليها، ولا يظلمها من حقها شيئًا، أو يضارّ بها؛ فقد قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ‌فَإِمْسَاكٌ ‌بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه… .

 

أعدها/ د. بدر بن خضير الشمري


شارك المحتوى:
0