يقول السائل: من يُجالس أهل البدع ويحضر لهم، هل نُلحقه بهم؟ وهل نُحذر منه زملاءنا وإخواننا لئلا يغتروا به؟
الجواب:
قد تكاثرت كلمات أئمة السنة في التحذير ممن جالس أهل البدع، وكلامهم كثير في ذلك -رحمهم الله تعالى- وقد بسط النقولات وأكثرها ابن بطة، وذكر شيئًا من ذلك أبو بكر الآجري في كتابه (الشريعة)، واللالكائي في شرح اعتقاد أصول أهل السنة.
فكلام أئمة السنة كثير في أن من جالس أهل البدع فإنه يُلحق بهم، وثبت عن ابن مسعود أنه قال: “المرء بخدنه”، وروى ابن بطة عن محمد بن عبيد الله الغلابي أنه قال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا الألفة والصحبة. وروى عن ابن المبارك أنه قال: من أخفى علينا بدعته لم تخف علينا إلفته.
إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة، حتى مما ذكر أبو داود عن الإمام أحمد أنه قيل له: إن فلانًا يصاحب فلانًا من أهل البدع، قال: أو أعلمتموه؟ -أي هل أخبرتموه أنه مبتدع؟- قالوا: أعلمناه، قال: ألحقوه به.
إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة، بل ذكر ابن بطة إجماع السلف على ذلك، ومن عجيب ما روى ابن بطة عن الثوري أنه دخل البصرة فسأل عن الربيع بن صبيح، فقيل: عالم سنة، قال: من جلساؤه؟ قالوا: القدرية، قال: هو قدري.
تأمّلوا بمجرد أن سأل عن جلسائه وأن عرف أن جلساؤه من أهل البدع ألحقه بهم، ولم ينظروا إلى اعتقاد الرجل في نفسه، بل هم قالوا عن الرجل في نفسه إنه صاحب سنة، وقد أشاد ابن بطة -رحمه الله تعالى- بكلمة الثوري هذه.
فإذن الآثار كثيرة عن السلف في أن من جالس أهل البدع فإنه يُلحق بهم، لكن ينبغي أن يُفرَّق بين ما يلي:
1. بين أن يُجالس المبتدع لذات المجالسة، أو أن يُجالس لأمر خارجي، كأن يضطر الرجل ويكون في عمل ويكون فيه مبتدع فيضطر أن يُجالسه لعمل أو لدراسة أو غير ذلك، فإن هذا غير داخل في آثار السلف، لذا ذكر ابن بطة آثارًا ومنها: أن يكون مدخل الرجل ومخرجه مع أهل البدع، فإذن المراد من تقصَّد مجالسته ومصاحبته لا أن يُجالسه وأن يُصاحبه لأمر آخر كعمل أو غير ذلك.
2. ينبغي أن يُفرَّق بين من ثبتت بدعته بأن ثبت بأنه يشيد بأهل الضلالة، أو يدعو إلى طريقتهم، أو ينشر تراثهم من مجلات أو مسموعات أو غير ذلك، أو يشيد بأهل الضلالة أو يمشي على طريقتهم، إلى غير ذلك، كأن يكون فردًا أو جمعية، فمن كان فردًا أو جمعية على ما تقدم ذكره أو مما يستوجب تبديعه ثم جالسه الرجل وهو يعلم حالهم فإنه يُلحق بهم.
فرق بين هؤلاء وبين رجل من أهل السنة يُجالس أناسًا من أهل السنة، بهتهم أقوام آخرون بأنهم مبتدعة ولم يستطيعوا أن يأتوا ببينة ولا برهان على تبديعهم وإنما قلدوا شيخهم إلى غير ذلك، كما غلا في ذلك بعض أهل السنة المعاصرين وأصبح عند بعضهم -لا كلهم- حماسة في ذلك، فصاروا يُخرجون الرجل السني بمجرد أن شيخهم قال إنه ليس سنيًا بلا بينة ولا دليل ولا برهان، فهذا خطأ وإنما البحث فيمن ثبتت بدعيته بشيء مما تقدم ذكره، وأسباب التبديع أكثر من هذا لكن مثل هذا شائع لاسيما في الأفراد والجماعات.
فينبغي أن نكون أهل سنة حقًا، وألا نُجالس إلا أهل السنة، وألا ندخل ولا نخرج إلا معهم، وأن نتقصد مجالستهم دون غيرهم فإننا في زمن غربة، فيجب أن نتمسك بالسنة وأن نعض عليها بالنواجذ، وأن نحرص على رأس المال، وأؤكد: رأس المال مُقدم على الربح، إذا رأينا من هذا حاله بأنه يُجالس هؤلاء، إما يُجالس جمعية مبتدعة أو أفرادًا مبتدعة، فينبغي أن نكون حذرين على رأس المال الذي عندنا من إخواننا وأصحابنا ألا يُخالطوا هذا الرجل الذي يُجالسهم، لأنه قد يُضر بهم ويُفسدهم، وإن حفظ رأس المال مُقدم على الربح.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.