ذكر العلامة عبد الله بن بسام رحمه الله تعالى في ترجمة الإمام الجماعيلي حيث قال: كان أمَّارًا بالمعروف نهاء عن المنكر بيده ولسانه وجنانه لا تأخذه في الله لومة لائم، الشاهد قوله وهو مما أشكل عَلَيَّ: “فصادم السلاطين والقضاة والمبتدعين إلى قوله هذا دأب المصلحين”، السؤال: من يصادم في زمانه الحُكَّام هل هو من المصلحين؟ وكيف الجمع بين هذه الأحاديث التي وردت في الحُكَّام إلى آخره؟
يُقَالُ جوابًا على هذا السؤال: أقلّ ما يقال في مثل هذا: إذا أخذناه بظاهره أنه صادمهم مصادمةً غير الشرعية، أن هذا محرَّم، ولا يجوز فعل هذا الرجل، وفعل هذا الرجل لمثل هذا خطأ.
لكن الأظهر – والله أعلم- أن يقال: أنه كان يحتسب على السلاطين، يعني: يقوم إليهم، وينصحهم، ويُنكِر ما عندهم من منكراتٍ، أي: بِالطُّرُق الشرعية، وهذا يدل على ديانته وشجاعته، بحيث إنه يأتي إلى السلطان، ويُنكِر عليه إلى غير ذلك.
فيُحمَل كلامه على أنه ينكر عليهم بالطريقة الشرعية، يأتي إليهم في مجامعهم، في بيوتهم، فينصحهم؛ لأن نصيحة السلطان والإنكار عليه أمامه جائز، ولو كان يوجد في المجمَع من يوجد، لكن هل يُنكِر عليه سرًا أو علانية؟
الأصل: الجواز، لكن هل يفعل السر أو العلانية، هذا يرجع إلى المصالح والمفاسد، وما يدل على ذلك قصة أبي سعيد في الرجل الذي قام على عبد الملك بن مروان، وأنكر عليه أو على مروان بن الحكم، فأنكر عليه، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى الذي عليه، والقصة أخرجها مسلم.
ففيه أن الرجل أنكر أمام السلطان بحضور الناس، فالإنكار أمام السلطان جائز سواء بحضور الناس أو بعدم حضورهم سواء كان سرًا أو علانية، لكن المنكر هو أن يُنكِر عليه، ويتكلم فيه وراءه وخلفه.
ثم أؤكد على ما تقدم ذكره أن الإنكار عليه أمام الناس جائز، لكن يراعى في ذلك المصالح والمفاسد، قد تكون نصح للإنكار علانية، وقد تكون نصح للإنكار سِرًّا.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما عَلَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.