يقول السائل: إذا أمكن تفصل لنا في مسألة شد الرحال إلى مكان لغير التعبد، أو للتعبد، وحكمه الشرعي؟
يقال جوابًا عن هذا السؤال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاث: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».
ففي هذا الحديث النهي عن شد الرحل، والمستثنى منه في هذا الحديث يراد به كل مكان يقصد به التعبد، أي: ما اجتمع فيه أمران، أن يكون مكانًا، وأن يقصد للتعبد.
أما لو كان مكانًا ولا يقصد التعبد فليس منهيًا عنه، وكذلك لو كان سفر تعبد لكن لا يقصد فيه مكان، فإنه لا يُنهَى عنه، ومما يدل على ذلك أن قزعة شد الرحل إلى الطور، ونهاه عن ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما رواه ابن أبي شَيبة، وروى أحمد والنسائي عن بصرة ابن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة – وقد أقبل من الطور -: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ” لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى “.
وجبل الطور ليس مسجدًا، وإنما هو مكان يقصد به التعبد.
فعلى هذا، كل مكان يقصد به التعبد فإنه ينهى عن شد الرحل إليه.
فإذا عرف ما تقدم، فإن شد الرحل لطلب العلم ليس منهيًا عنه، لأنه ليس مكانًا يراد به التعبد.
وكذلك شد الرحل لزيارة أخ في الله ليس منهيًا عنه، لأنه ليس مكانًا يراد به التعبد، وكذلك شد الرحل للنزهة، لِتَقصُّد مكانٍ للنزهة، ليس منهيًا عنه، لأنه وإن اقْتُصِد المكان لكن لا يراد به التعبد.
فإذًا لا بد أن يجتمع الأمران: أن يكون مكانًا، وأن يقصد به التعبد.
وأختم الكلام حول هذه المسألة بتنبيه مهم، وهو أن العلماء قد اختلفوا في حكم شد الرحل، ما بين محرِّم أو قائلٍ بالإباحة، وإنْ كان كلام السلف الأولين يدل على التحريم، كما أفاد شيخ الإسلام ابن تيمية، فالسلف الأولون مجمعون على التحريم.
لكن على القول بالإباحة فإن من تعبد بذلك فقد فعل محرمًا بالإجماع؛ لأنه لا يجوز أن يتعبد به.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمَنا، وجزاكم الله خيرًا.