هل النفس صفةٌ لله؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: النفس ليست صفة لله، لا في الكتاب، ولا في السنة، وليس على ذلك السلف، بل السلف يقررون أنه ليس لله صفةٌ هي النفس، كما أن له يَدَين، ووجهًا، وغير ذلك من الصفات، بل إذا أطلق النفس في حق الله يراد بذلك أنه هو ذاته حقيقةً، كقول القائل: جاء محمد نفسه، “نفسه هنا” هي ليست صفته، بل المراد هو حقيقة جاء، وقد بيّن هذا ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه “بيان تلبيس الجهمية”، وحكى إجماع السلف على ذلك، وأطال الكلام في بيانه، وأشار لذلك كما في “مجموع الفتاوى”.
ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54]، أي: على ذاته، إلى غير ذلك من الأدلة في استعمال النفس بهذا المعنى.
ومن ذلك قول عيسى لله -عز وجلّ- كما حكى الله ذلك في القرآن: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة:116]، أي: تعلم ما في ذاتي، ولا أعلم ما في ذاتك.
وحديث أبي هريرة في البخاري وغيره لما قال: ‹‹مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَأَطْيَبَ››، “ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ“ أي: ذكرته بصوت مرتفع بين الملأ، أما”ذكرته في نفسي”؛ أي: بصوتٍ منخفض يسمعه الله وحده.
إذن، إطلاق النفس على الله ليست صفةً، كما يظن ذلك بعض أهل السنة من المتأخرين، بل الذي قرره السلف أن النفس ليست صفةً، بل هي تطلق على الله بمعنى الحقيقة، وبمعنى ذاته أنه هو سبحانه حقيقةً، كما تقدم في قول: جاء محمدٌ نفسه؛ أي ذاته وحقيقته.
وقد ذكر ابن تيمية أن للدارمي كلامًا يوهم أن لله نفسًا، لكن بيّن -رحمه الله تعالى- بذكر كلام له في موضعٍ آخر في الرد على بِشر أنه يريد بالنفس الحقيقة؛ لا أنها صفة، وأيضا ذكر أن لابن خزيمة تبويبًا في كتابه؛ كتاب “التوحيد” يوهم أنه يريد بالنفس أنها صفة، ثم بيّن أن كلام ابن خزيمة يلتقي مع بقية كلام أهل السنة، وأن المراد بالنفس هو حقيقته وذاته سبحانه.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.