يقول السائل: هل تستحب الأضحية عن الأموات؟
يُقال في الجواب عن هذا السؤال: إن الأضحية عن الأموات لم يصح فيها دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته فيما رأيت من كلام أهل العلم، والأضحية عن الأموات عبادة، والعبادة تحتاج إلى دليل، فلما لم يثبت فيها دليل لم يصح فعلها.
كما ذهب إلى ذلك الإمام مالك، وهو قول عند الحنفية، وهو مقتضى قول الحنابلة المتقدمين، فإن الحنابلة المتقدمين لم يذكروا الأضحية عن الأموات، وإنما ذكره من تأخر منهم.
فالمقصود أن الأضحية عن الأموات لا تصح؛ لأنه لا دليل على ذلك.
فإن قيل: قد روى الترمذي: «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يضحي بكبشين، كبش عنه وكبش يقول: أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم».
فيقال: هذا الحديث ضعيف، لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضعَّفه الإمام الترمذي، وقد تفرد به شريك بن عبد الله النخعي، وهو ضعيف، وفيه علل أخرى.
فالمقصود أنه لم يصح حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحية عن الأموات.
فإن قال قائل: ألا يقاس على الصدقة؟ فإن الصدقة تجوز عن الأموات بإجماع أهل العلم.
فيقال: صحيح أن الصدقة جائزة بإجماع أهل العلم، لكنّ هناك فرقًا بين الصدقة وبين الأضحية، فإن الصدقة تقرب بالمال، أما الأضحية تقرب بإزهاق النفس وإراقة الدم، لا تقرب باللحم.
لذا لو قُدِّر أن رجلًا ضحى بأضحية ثم سرقت بعد أن ضحى بها، فمثل هذا يقال: قد ضحى، وأخذ الأجر بالأضحية، أما اللحم فإنه ليس مقصودًا، وإنما جاء تبعًا، والمقصود الأساس هو التقرب إلى الله بإزهاق النفس وإراقة الدم، واللحم مقصود من جهة التبع.
فلذا؛ أصح الأقوال – والله أعلم- أن الأضحية لا تصح عن الأموات.
وأنبه على أمر: أنه قد يوصي بعض الأموات بأضحية عنه، وتكون الوصية من ماله، فمثل هذا يجب أن يعمل بوصيته؛ لأنه قد وصى بمسألة يسوغ الخلاف فيها، وقد تعبد الله بجواز الأضحية عن الأموات، فيجب أن يعمل بالوصية ويضحي ، وذلك أن في المسألة أقوالًا ثلاثة، لذا من وصَّى بوصية، ولو خالف ذلك من أراد أن يعمل بالوصية، فإنه يجب عليه أن يعمل بالوصية بشرط أن يكون قد وصى بقول يسوغ الخلاف فيه.
أما لو وصى الميت ببدعة لا يسوغ الخلاف فيها كأن يوصي بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو بغير ذلك، أو أن يوضع أمواله في هذه الاحتفالات البدعية فمثل هذه لا يعمل بها؛ لأن الخلاف في هذه المسألة خلاف غير سائغ.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمَنا، وجزاكم الله خيرًا.