يقول السائل: هل أمر الإمام المأمومين كقوله: “استووا” وما شابه أمر شرعي، معقول المعنى، بحيث لو كانوا مستويين فإنه لا حاجة لتذكيرهم.
يقال جوابًا عن هذا السؤال: الذي يظهر – والله أعلم- أنه أمرٌ معقول المعنى، بحيث إن المأمومين لو كانوا قد استووا وعقلوا مثل هذا، فإنهم لا يُؤمَرون.
ويدل لذلك ما أخرج مسلم من حديث النعمان بن بشير، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر الصحابة بذلك، فلما عقلوا ذلك عنه لم يأمرهم حتى رأى رجلًا باديًا صدره، ثم قال: «لتسوون بين الصفوف كما تصف الملائكة» الحديث.
فأمرهم بتسوية الصفوف -صلى الله عليه وسلم-، فظاهر هذا الحديث يدل على أن الأمر بالاستواء معقول المعنى، فإذا عقله المأمومون فإنهم لا يؤمرون به، بخلاف إذا لم يعقلوه، لكن هذا من الجهة العلمية.
أما من الجهة العَمَلِيَّة، فأظن قَلَّ أن يوجد اليوم جماعة مسجد قد عقلوا الاستواء.
وذلك يرجع لأسباب: من أهمها تقصير كثير من الأئمة في أمر الناس بتسوية الصفوف، حتى إن بعض الأئمة ما أن تقام الصلاة إلا و يكبِّر مباشرة، وبعضهم قد يلتفت يمنة ويسرة التفاتًا سريعًا، ويقول: استووا، واعتدلوا إلى غير ذلك من ألفاظ، وقَلَّ أن تجد إمامًا يلتفت للمصلين، ويحثّهم على تسوية الصفوف إلى غير ذلك.
لأجل هذا جَهِل كثير من المأمومين هذه السُّنَّة، وهي سُنَّة تسوية الصفوف، والمطلوب من أئمة المساجد أن يجتهدوا في دعوة الناس لتسوية الصفوف، كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون، وألا يقصِّروا في مثل هذا، وأن يلتفتوا إلى الناس، وأن يُعدِّلوا الصفوف، وأن يحثّوهم قولًا وعملًا حتى ترسخ هذه السُّنَّة في قلوب الناس، ولا تصبح سُنَّة مهجورة بسبب تقصير كثيرٍ من الأئمة.