يقول السائل: لماذا إذا ذكر العلماء في كتب العقائد الشرك الأصغر مثلوا عليه بيسير الرياء دون أن يقولوا: الرياء؟ فهل هناك رياء يسير ورياء عظيم؟
الجواب:
لعل السبب في ذلك يرجع إلى حديث رواه ابن ماجه والحاكم عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اليسير من الرياء شرك».
فلأجل هذا قال بعضهم: إن يسير الرياء شرك أصغر دون كثير الرياء.
وليُعلم أن الرياء شرك أصغر لما ثبت عند أحمد والبيهقي من حديث محمود بن لبيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فسُئل عنه فقال: «الرياء».
ثم الذي يظهر لي -والله أعلم- في هذه المسألة أن الرياء لا يكون إلا شركًا أصغر، كما في حديث محمود بن لبيد المتقدم، وأنه لا يكون شركًا أكبر، لأن حقيقة الرياء ليس فيها ما يدل على الشرك الأكبر، سواء صار كثيرًا أو يسيرًا، وذلك أن حقيقته إظهار التعبد لله أمام الناس لمدحهم وثنائهم وغير ذلك، وهذا ليس فيه صرف عبادة لغير الله، كثر أو قلَّ، بخلاف صرف العبادة لغير الله، فهي شرك أكبر ولو كانت أقل القليل.
فإن قيل: ماذا يُقال في حديث معاذ بن جبل: «اليسير من الرياء شرك»؟
يُقال: الجواب على هذا الحديث من جهة الرواية والدراية، أما من جهة الرواية: فإنه من طريق عياش بن عباس القتباني، عن زيد بن أسلم، وعياش لم يسمع من زيد بن أسلم بل بينهما واسطة، وهو عيسى بن عبد الرحمن الزرقي، كما بيَّن ذلك الحاكم في طريق، وأبو نعيم، وعيسى بن عبد الرحمن الزرقي متروك الحديث، فلا يصح.
أما الجواب من جهة الدراية: فإنه ذكر اليسير لئلا يُظن أن اليسير ليس شركًا، والقاعدة الأصولية: أن ما خرج لسبب فلا مفهوم له، فلا يُقال: إن الكثير والعظيم ليس شركًا عملًا بمفهوم المخالفة، فإن اليسير ذُكر لسبب، وما ذُكر لسبب فلا مفهوم له.
فبهذا يُعلم أن الرياء شرك أصغر قلَّ أو كثُر، سواء كان يسيرًا أو كان عظيمًا، إلا إذا كان في أصل الدخول في الإسلام، أي يدخل في الإسلام مرائيًا، فيُظهر أنه دخل في الإسلام ولم يدخل في الإسلام فهذا كافر لم يُسلم من حيث الأصل، وبحثنا ليس فيمن لم يُسلم وإنما البحث في المسلم الذي عرض له الرياء.