يقول السائل: هل يجوز ترك السنة في العبادات؟ كترك رفع اليدين في الصلاة وغيرها من السنن؟ علماً بأن المنطقة التي أعيش فيها الأحناف، ولو تُعْمَل بالسنن يتركونك، ولا يسمعون مني مسائل العقيدة؟
يقال جوابا على هذا السؤال: أن مما جاءت به الشريعة: المداراة، ومعنى المداراة: هو أن يُترَك شيء من الدين لمصلحة أكبر دينية.
وينبغي أن يعلم بأن هناك فرقًا بين المداراة والمداهنة، المداهنة: أن يُترَك شيء من الدين للمصالح الدنيوية، أما المدارة: أن يُترك شيء من الدِين لمصلحةٍ أكبر دينية، ذكر هذا ابن مفلح رحمه الله في كتابهِ “الآداب الشرعية”.
والمداراة جاء بها الشرع، وهي جائزة، وقد تجب بحسب الأحوال؛ أما المداهنة: فهي محرمة بنص القرآن.
فإذا تبين أن هناك فرقًا بين المداهنة والمداراة، فالأدلة على جواز المداراة كثيرة، منها: قصة صلح الحديبية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم تنازل عن أمور دينية لمصلحة دينيةٍ أكبر، والحديث أخرجه البخاري.
إذا تبين هذا، فيقال: إن ترك بعض السنن من أجل تأليف أقوام لا يتألفون بفعل السنن، بأن يُدْعَوا بعد ذلك إلى ما هو أهم، وهو التوحيد والاعتقاد، مثل هذا متعينٌ بل واجب، مع مراعاة الاجتهاد في دعوة الناس للتوحيد والاعتقاد، وأيضًا المحاولة فيما بعد في إحياء هذه السنن؛ لأن بعضهم قد يترك أمورًا لأجل مصلحة الناس، ثم مع الأيام يتساهل ويتكاسل في دعوتهم للأمر الذي تركه للمصلحة في وقت، يستطيع أن يظهر هذه السنن وأن يدعو إليها.