( هوّة سحيقة لا يمكن ردمها )
الحمد لله وبعد،،
المتأمل في أدبيّات التيّارات الغالية المتشدّدة، يجد أنها تُجمع بشتى أطيافها وتنوّع أهوائها على تمجيد سيد قطب رحمه الله ومحبّته وتعظيمه والاعتزاز به، رغم أنّها تدّعي الاحتفاء أيضا بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومحبّته وتعظيمه والانتساب إليه.
وهذه مفارقة عجيبة، وثنائية مزيّفة، وهوّة سحيقة لا يمكن ردمها، وإشكال منهجي يجب الوقوف عنده، والنّظر في آثاره والحذر من عواقبه، فإنّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مختلفة جذريّا في أصولها ومنهاجها عن دعوة سيد قطب.
والمنهج السّلفي الذي كان عليه المشايخ المتأخرون كمحمد بن ابراهيم والشنقيطي وعبد الله بن حميد وعبد الرزاق عفيفي وصالح بن غصون وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله لا يمكن أن يتّسق أو يتقبّل أو يتسامح مع هذه الأفكار الخارجيّة التي يصدع بها سيد قطب ويخاصم من أجلها.
لأنّ أفكار الغلوّ في التّكفير، والتمرد على الأنظمة، ومنابذة السُّلطة، والخروج عن الجماعة، ومنازعة الأمر أهله، مصادمةٌ للعقائد السّلفية في أصولها، ومناقضة لما ظلّ يدعو إليه هؤلاء الأعلام ويقرّرونه، ويؤكدون عليه في دعوتهم ودروسهم وسيرهم ومناهجهم.
جميع الكتب والعقائد السّلفية تنصُّ صراحةً على وجوب طاعة السُلطان المسلم المتغلب برّاً كان أو فاجراً، هذه عقيدةٌ منصوصة، ودينٌ توارد عليه علماء السُنة، بتدوينه في عقائدهم وتناقله فيما بينهم، ويعدّونه من أهمّ الأمور، وأعظم المسائل التي يخالف السلفيّون فيها بقية المناهج والمذاهب والتيّارات البدعية، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة مبسوطة في مظانها، يضيق هذا المقام عن بسطها.
الذي حصل أنّ هناك من عمل عملية تهجين للسّلفية بمحاولة تغيير معالمها، وإعادة صياغتها، بمزجها بالفكرة الإخوانية ليخرج لنا مولودا خديجاً عاقاً مشوّهاً هو السرورية.
هذا المولود شكلهُ وهيئته وصورته الظاهرة صورة سلفية، أما لبّه وجوهره وحقيقته وصورته الباطنة فصورة إخوانية.
واغترّ كثير من شباب المسلمين بهذا الكيان الحادث، وظنّوا أنهم إذا اتّبعوه، وتقاطروا خلفه، وانتظموا في صفوفه، لم يبدّلوا شيئا من دينهم الذي عرفوه وتعلّموه وتلقّوه عن أشياخهم.
ورأوا أنّهم اذا ناصروه وتحزبوا له، لم يغيّروا ذلك المنهج الحقّ والسبيل القويم الذي يؤكد على وجوب تحرّي منهج السلف الصالح واتّباعه وعدم الانحراف عنه، فحصلت عند ذلك الفتنة وعظُمت البليّة.
هناك تلبيس في الدين لا يمكن إنكاره ولا التّهوين من شأنه، وواجب أتباعِ منهج السلف عظيم، ومُهمّتهم شاقّة وعسرة وخطرة، بل هي أشبه ما تكون بفصل التواءم السيامية، وذلك بإرجاع الأجزاء الملتصقة إلى مكانها، وردّ الأمور المختلطة إلى مواضعها الصحيحة، أما التعفيةُ على آثارها، والتغافلُ عنها، والمكابرة عن معالجة آفاتها، وتركها للزمن، فقد تباغتنا الحوادث، وتصدمنا الوقائع يوماً ما، فندفع الثّمن ألغاما تنفجر في وجوهنا !
كتبه محمد بن علي الجوني
رجب 1435