الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعـــــد ،،،
استمعتُ إلى بعض كلماتٍ من خُطبةٍ للشيخ: حمد السنان ـــــ هداه الله إلى الحق ـــــ ، وإذا خُطبتُة كاليد الجذماء التي قلَّ نفعها، ولا بركة فيها لمن استمع إليها، بل هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض، لأنها تحتوي على فِتْنة صمَّاء بَكْماء عَمْياء، والخطيب العاقل هو الذي يربط الناس بالكتاب والسنة، ويُحسن الوعظ، ويرشد الناس لما فيه خير الدنيا والآخرة، وإليكَ بعضَ كلماته.
قال الشيخ: حمد السنان ـــــ هداه الله ـــ:
” فمن مسؤولية المنبر السُّني أن يشخص مشهد مذبحة الحسين ــــ عليه السلام ـــــ بعين المشاهد الشيعي للمشهد بشعوره العاطفي لأحداث المشهد، والذي يتلخَّص حقيقة بكونه جريمة قتلٍ بشعة راح ضحيتها الحسين وأهل بيته ــــ عليهم السلام ــــ على يد قاتل سني، هذه حقيقة المشهد ” !!!
ولي على كلامه عدة وقفات:
الوقفة الأولى:
ليس من مسؤولية خطيب الجمعة أن يُشخِّص مشهد مذبحة الحسين، أو أي مذبحة على المنبر فيكررها في كل عام مرة أو مرتين، فهذا ليس من الدين في شيء، حتى لو أن المسلم لم يذكرها البَتَّة ما سأله الله عن ذلك، ولا لحقه إثم، ولم يقع في مخالفة شرعية، وليس مكلفًا بذكرها، وذلك لأمور ستة:
الأمر الأول: لم يشخِّص النبي ــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ: على منبره مشهد مذبحة الأنبياء والرسل الذين قُتلوا على أيد أقوامهم قال تعالى: { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
الأمر الثاني: لم يشخِّص النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ على منبره مشهد مذبحة عمِّه حمزة ــــــ رضي الله عنه ـــــ وهو سيد الشهداء، ولم يذكرها في مجالسه، وإنما بُعث ليبين للناس دينَهم الذي ارتضاه الله لهم.
الأمر الثالث: لم يشخِّص النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ : على منبره مشهدَ مذبحة القرَّاء، عن أنس قال: جاء رعل وذكوان وعصيّة وبنى لحيان إلى النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ، فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم: القراء حتّى كانوا ببئر معونة، فقتلوهم، غدروا بهم، فَدَعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم شهرًا في صلاته فأنزل الله على نبيه هذه الآية فترك الدعاء عليهم { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ }.
الأمر الرابع: لم يشخِّص أصحاب النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ على منابرهم مشهد مذبحة عثمان، ولا قبله مذبحة عمر ومن معه في المسجد في كل عام !!!
الأمر الخامس: لم يشخِّص أصحاب النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ولا أهل البيت على منابرهم مشهد مذبحة على ــــ رضي الله عنه ـــــ الذي نال الشهادة والذي هو أفضل من أبنائه الحسن والحسين.
الأمر السادس: لم يشخِّص الصحابة الذين عاصروا الحسين مشهد مذبحته وأهل بيته على منابرهم كأبي واقد الليثي، وعبد الله بن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ومن الفقهاء السبعة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، ومن التابعين، أخيه محمد بن علي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيرهم، كل هؤلاء ــــ رضي الله عنهم أجمعين ــــ لم يثبت أنهم شخَّصوا مشهد مقتل الحسين ـــــ رضي الله عنه ــــ ، بل الكل استرجع عند مصيبته متمسكين بقول الله عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.
إنَّ من مسؤولية الخطيب أن يعظ الناس وأن يذكِّرَهم بأيام الله، وأن يفقههم في الدين وما يجب أن يكونوا عليه من الإيمان والتوحيد والسنة والتقوى ومكارم الأخلاق، ويحذرَهم من البدع والغلو في قبور الصالحين، ويجتنب ما يسبب البلبلة وزعزعة الأمن والاستقرار.
الوقفة الثانية:
قال الشيخ: حمد السنان ـــــ هداه الله ــــ وهو يتكلم عن قتل الحسين: ” جريمة بشعة راح ضحيتها الحسين وأهل بيته عليهم السلام على يد قاتل سني هذه حقيقة المشهد “.
قلتُ: لا والله ليست هذه حقيقة المشهد، بل هي خلاف الحقيقة، ولا أقول إلا كما قال تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} حيث جعلتَ أهل السنة في قفص الاتهام، وحمَّلتهم دمَ الحسين وأهلَ بيته، وكأن أهل السنة كانوا مع تلك العُصبة الذين قتلو الحسين ــــ رضي الله عنه ـــ أو رضوا بقتله!!!
ومما لا شك فيه أنَّ أهل السنة بُرَآءُ من دم الحسين ــــ عليه السلام ـــــ كبراءة الذئب من دم يوسف، ولا ريبَ أنَّ الجهلَ داءٌ خطير، والجاهل الذي يحمل جهلا مركبا سيؤدي بجهله إلى فساد عريض، وشر مستطير، ويحمل صاحبه على ارتكاب مالا ينبغي، فبجهله يبثُّ الفتنة، ويشعل فتيلها، ويسكب الزيت عليها، ويعمل على إذكاء الطائفية، ويشحن النفوس نحوها بحجج واهية لهي أوهن من بيت العنكبوت لو كان يعلم، والحق الذي لا مِرْيَة فيه، وهو الصحيح الثابت الذي لا يسع عاقل إنكاره بل يلزمه إثباته والاعتراف به، أن الذي قتل الحسين ليس بسني وذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: موقف أهل السنة من قتلة الحسين، قال شيخ الإسلام بن تيمية ـــ رحمه الله ـــــ : والحسين ــــ رضي الله عنه ــــ أكرمه الله تعالى بالشهادة في هذا اليوم، وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله أو رضي بقتله، وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكانا قد تربَّيا في عز الإسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيته فأكرمهما الله تعالى بالشهادة تكميلا لكرامتهما ورفعا لدرجاتهما، وقتله مصيبة عظيمة والله سبحانه قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى:{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة.
الوجه الثاني: لفظ ” السُّني ” لم يظهر هذا الاسم في زمن الحسين، ولم يكن معروفًا على عهد النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ، وإنما المعروف عندهم هو الاسم الذي سمَّاهم الله به كما قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ }، وقال تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فلا يُسَمَّوْنَ إلا بهذا الاسم، واستمر هذا الاسم ” المسلمون” في عهد النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ لأن الكل على الكتاب والسنة، ولم يتفرقوا، ولم تدخل البدع بينهم، واستمر هذا اللفظ – المسلمون – في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم حدث في آخر عصر الخلفاء الراشدين من البدع والضلالات والانحراف عن الكتاب والسنة وعن فهم الصحابة والخروج عليهم، كبدعة الحرورية الخوارج، وانقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة بعد ذلك، وبدعة الرافضة وانقسمت اثنتي عشرة فرقة كالسبئية والإسماعلية وغيرهما وراجع كتاب النوبختي له كتاب أسماه فرق الشيعة، ثم في آخر عصر الصحابة بدعة المرجئة، وانقسمت اثنتي عشرة فرقة، وبدعة القدرية وانقسمت اثنتي عشرة فرقة، وبدعة القرآنيين الذين لا يأخذون بالسُنة، ولا بهدي النبي محمد ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ، وإنما بالقرآن فقط ، وقد أدركهم بعض الصحابة كابن عمر، وقد تنبأ النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ــــ بخروجهم، فقال: ” يوشِكُ أنْ يقعُدَ الرجلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ ، يُحَدَّثُ بحديثٍ مِنْ حديثي ، فيقولُ : بينَنَا وبينَكُمْ كتابُ اللهِ ، فما وجدْنا فيه مِنْ حلالٍ اسْتَحْلَلْناهُ ، وما وجدَنا فيه مِنْ حرامٍ حرَّمْناهُ ، ألَا وإِنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ مثلَ ما حرَّمَ اللهُ. وفي رواية ” إلا وإنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معهُ ” أي السنة.
ثم في آخر عصر التابعين ظهرت بدع أيضا، كبدعة الجهمية مُعطِّلة الصفات، وانقسمت اثنتي عشرة فرقة، وبدعة الجبرية ومنهم غُلاة، وانقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة، وظهرت طوائف كثيرة من تلك الفرق كالأشاعرة والماتُريديَّة والزيدية والإباضية، والصوفية وغيرها، فإذا علمتَ هذا، تبيَّن لك أنَّ هذه التسمية وهذا اللفظ ــــــ أعني أهل السنة والجماعة ـــــ أُطلق في مقابل أهل البدع في أواخر القرن الثاني الهجري على المتمسكين بالسُّنَّةِ والأثر، وبمخالفتهم للفرق المختلفة الذين خرجوا عن طريقة الصحابة والتابعين، فلفظ أهل السُنة ليس إلا عَلَمًا ولقبًا يقابل سائرَ فرق أهل البدع، وهذه التسمية لها أصل من الشرع استنادًا للأحاديث والآثار الداعية إلى التمسك بالكتاب والسنة، وبسنة الخلفاء الراشدين، والتزامهم بالجماعة، والحذر من الافتراق في الدين، فأهل السنة يدعون الناس إلى ما كان عليه النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ وأصحابه، لاعتقادهم أنَّ هذا هو السبيل الأوحد إلى طريق النجاة.
وأهل السنة والجماعة هم أتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة ومن سار على نهجهم، قال رسول ــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ: ” افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي “. وفي بعض الروايات: (هي الجماعة). رواه أبو داود والترمذي.
ولقوله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ: ” عليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين. وقوله: ومَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنَّي. وقوله: ” وسَتَرَوْن مِن بعدِي اختلافًا شديدًا؛ فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ وإيَّاكم والأمورَ المُحْدَثاتِ؛ فإن كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ “.
ولذلك لا يخلو كتاب من كتب السلف الصالح إلا وتجد هذا اللفظ – أهل السنة، أو أهل السنة والجماعة، أو السلف، أو أهل الحديث؛ ليتميزوا بأنفسهم عن سائل الملل والنحل من أهل البدع والضلال.
فمصطلح أهل السنة مبثوث في كتب الفقه والأصول والعقائد ففي كتب الحنفية: أن نصير بن يحيى – وقيل: نصر- البلخي، (ت 268هـ) وهو من الأحناف وشيخه أبو حنيفة، كان من أسباب محبة أهل الحديث له أنه كان مخالفاً للمعتزلة من الأحناف. فكان يذهب مذهب أهل السنَّة في القرآن، وكان يكفِّرُ القائلين بخلق القرآن.
وفي كتب المالكية: التمهيد لما في الموطأ قال ابن عبد البر المالكي في التمهيد: ذهبت طائفة من المعتزلة وعامَّة الخوارج إلى منازعة الجائر قال: وأما أَهل الحق وهم أَهل السُّنَّةِ فقالوا: الصبْر على طاعة الجائر أولى.
وفي كتب الشافعية: كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي ابن الفراء البغوي الشافعي (ت 516هـ) يعدُّ البغوي إماماً من أئمة أهل السنة والجماعة قال عنه الذهبي: على منهاج السلف حالاً وعقداً.
وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ــــ رضي الله عنه ــــــ : ” إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السُّنَّةِ والجماعة فَارْجُهُ، وإذا رأيته مع أصحابِ البدع فَايْئَسْ منه، فإنّ الشاب على أول نشأة ”
الوجه الثالث: إنَّ قاتل الحسين هو من أهل العراق ممن شايع الحسين، وإليك الأدلة من أقوال أهل السنة من الصحابة والتابعين، ومن أقوال الشيعة أنفسهم.
قال ابن عباس وهو ابن عم الحسين قال للحسين وهو ينصحه بعدم الذهاب للعراق وكان يخشى عليه من شيعته الذين شايعوه.
قال له: إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزّوا عليك النّاس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشدَّ النّاس عليك.
وهذه أم سلمة – رضي الله عنها – لما جاء نعي الحسين بن علي لعنتْ أهل العراق وقالت: قتلوه قتلهم الله – عز وجل – غرُّوه ودلُّوه لعنهم الله.
وابن عمر – رضي الله عنهما – يقول لوفد من أهل العراق حينما سألوه عن دم البعوض في الإحرام، فقال: عجباً لكم يا أهل العراق! تقتلون ابن بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتسألون عن دم البعوض.
وقال عبد الله بن الزبير ـــــ رضي الله عنه ـــــ: على الرّغم من أنّه لم يبايع يزيد، ولكنّه نصح الحسين قائلًا: أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك. ذكره ابن أبي شيبة بسند حسن.
وهذا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: قال للحسين وهو ينصحه بعدم الخروج: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيُقاتلك من قد وعدك أن ينصرك. ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية.
وإليك أقوال أهل البيت التى نصَّت على أنَّ الحسين وأهل بيته قُتلوا على يد من شايعهم كذبًا وزورًا كما ذكرت الروايات في كتب الشيعة.
هذا علي بن الحسين الذي يسمى السَّجاد أو زين العابدين وقد شهد معركة الطف وكان مريضًا وعمره يومئذ إحدى وعشرون، وقد خطب خطبة في أهل الكوفة بعد معركة كربلاء فقال: أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والمواثيق والبيعة، وقاتلتموه فتبّاً لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي…
رحم الله امرأً قَبِل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وفي أهل بيته، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة، فصمتوا وهم يستمعون إلى هذا القول ثم قالوا: “نحن يا بن رسول الله، سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا، فأجابهم الإمام علي السجَّاد: هيهات، هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل.
ثم إن أم كلثوم زينب أخت الحسين أطلَّت برأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم!! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء.
وقد اعترف علماءُ الشيعة أن الذي قتل الحسين وأهل بيته هم من شايعه.
فقال محسن الأمين الشيعي: “بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم وقتلوه” (أعيان الشيعة 1/ 34).
وقال كاظم الإحسائي الشيعي: “إن الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين -عليه السلام- ثلاثون ألفاً، كلهم من أهل الكوفة ليس فيهم: شامي ولا حجازي ولا هندي ولا باكستاني ولا سوداني ولا مصري ولا أفريقي، بل كلهم من أهل الكوفة قد تجمعوا من قبائل شتى” (الإحسائي، عاشوراء،89).
وقال حسين الكورانى الشيعي: ” أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلوّن مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدَؤوا يسارعون بالخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين. وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسديد المواقف التي ترضي الشيطان وتغضب الرحمن.
الوقفة الثالثة:
قال الشيخ حمد السنان ــ هداه الله ــــ:” فإن من مسؤولية المنبر السني… والمنبر الحسيني… ”
قلت: إنَّ الرزية كلَّ الرَّزية أن يهرف الخطيب بما لا يعرف، ويهذي بما لا يدري، ويتكلم فيما لا يفهم، فتعلم حينئذ أن الأمر أُسند إلى غير أهله، ففي قوله: ” المنبر السُّني” وقوله: ” إنَّ الذي قتل الحسين وأهل بيته سني”، وقوله: ” المنبر الحسيني” عدة محاذير:
المحذور الأول: قد يتوهم كل من سمع خطبته من السُّذج والعوام وأعداء الصحابة، وكل من ليس لديه علم، أننا من أحفاد قَتلَةِ الحسين ـــ رضي الله عنه ــــ، أو أننا نحبهم أو نثني عليهم بحجة أننا مع المنبر السُّني الذي هو ضد المنبر الحسيني فجعلنا ضدان !! والله المستعان والفتنة نائمة لعن اللهُ من أيقظها.
المحذور الثاني: وصفه المنبر بقوله: ” المنبر ( … ) فيه إساءة وتعدٍ وظلم، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: من ينتسبون إلى عيسى ـــــ عليه السلام ـــــ بهتانًا، ويغلون فيه، ويقولون: ” ابن الله أو ثالث ثلاثة “، هل يصح أن نصفهم بــ ـ: ” المنبر العيسوي”؟! وننسبهم إلى عيسى ـــــ عليه السلام ــــ ، أو ننسب عيسى ــــ عليه السلام ــــ إليهم؛ لنصبغ على المنبر صبغة القبول، سبحانك هذا بهتان عظيم!!!
ومن ينتسبون إلى موسى ــــ عليه السلام ــــ وهم بعيدون عن دينه، وعن التوحيد، ولم يؤمنوا بالرسول ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ هل يصح أن نصفهم بـــ: ” المنبر الموسوي “، وننسبهم إلى موسى ــــ عليه السلام ـــ، أو ننسب موسى ـــ عليه السلام ــــ إليهم؛ لنصبغ على المنبر صبغة القبول؟! ألا ساء ما يحكمون، وقد قال الرسول ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ نحن أولى بموسى منهم.
الوجه الثاني: بهذا التقسيم السيئ جعل الحسين ـــــ عليه السلام ــــ علامة مسجلة محتكرة لفئة دون غيرها، وهذا باطل، بل من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون آل البيت، ويتولونهم ويرون لهم حق التقدير والحب والإجلال بلا غلو، وأهل السنة هم أولى الناس بالصحابة ومنهم آل البيت عليهم السلام فإنهم وسط بين الرافضة والنواصب.
الوقفة الرابعة:
قال الشيخ: حمد السنان ـــــ هداه الله ــــ: ” فمن مسؤولية المنبر السني أن يشخص مشهد مذبحة الحسين ــــ عليه السلام ـــــ بعين المُشاهد الشيعي للمشهد بشعوره العاطفي لأحداث المشهد”.
قلتُ: من مسؤولية الخطيب أنْ يشخِّصَ أي حدث وفق العدل والحق والروايات الصحيحة من غير إفراط أو تفريط لا بحسب الشعور العاطفي، ومن أعظم الضلال والبعد عن الحق أنَّ الإنسان يسير على حسب ما يراه الغير وفق شعوره وعاطفته، ثم إنَّ الحسين ـــــ عليه السلام ــــــ ليس لهم حتى يلتمس الخطيب رضاهم ويشخِّص الحدث بشعورهم وعاطفتهم، وإنما الحسين ـــــ عليه السلام ــــ صحابي حاله حال جميع الصحابة ــــــ رضي الله عنهم أجمعين ــــ وهم يتفاوتون في الفضل والمنزلة، وقد أصاب الحسين ــــ عليه السلام ــــ مثل ما أصاب غيره من الصحابة كأبيه وأخيه وغيرهما ممن نال الشهادة والمنازل العليا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} لا يأخذكم شعور العاطفة تجاه نفسك أو الوالدين والأقربين فتجوروا أو تظلموا من أجل قربهم لكم، قولوا العدل والحق ولو كان في غير مصلحة الوالدين والأقربين فالحق أحق أن يتبع.
ونسأل الله الهداية والتوفيق إلى الخير، وأن يرينا الحقَّ حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
كتبه / د. أبو محمد فيحان الجرمان.