كتب فيحان الجرمان
الحمد لله رب العالمين وبعد،
كنت أتوقع من علي المتروك هذا الكلام وذلك بسبب أطروحاته وتلميحاته التي يتناولها الفينة بعد الفينة بحذر ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وطالما اظهر أسفه وحزنه على ما يحصل للأمة من تمزق وشقاق وها هو يحيى ويوقظ فتنة في المجتمع من خلال طعنه ولمزه في صحابي جليل من أصحابالرسول صلى الله عليه وسلم وصهره وخال المؤمنين ومن كتاّب الوحي . ولي معه عدة وقفات :
< الوقفة الأولى . عنوان المقال :!!!عنون المتروك مقاله بعنوان أسماه ( فلتكن الحقيقة رائدنا).
أقول ما أحسن هذا الكلام ولكن العمل بمقتضاه ليس بالأمر السهل لأن من الناس من يظهر أنه يطلب الحقيقة فإذا بانت وظهرت خلاف ما يعتقد فإذا هو ينكص، والمتروك عمل بقاعدة «أعتقد ثمََ استدل وليس على قاعدة استدل ثماعتقد»، فلم يعمل بمقتضى عنوان مقاله حيث اعتمد على طعن الصحابي معاوية رضي الله عنه بروايات غير صحيحة الإسناد وكتب مشبوهة وأخرى جمعت الغث والسمين وهذه الروايات لابد أن نتأكد من صحتها والحقيقة التي ينشدها المتروك لابد أن تكون على وفق الكتاب والسنة الصحيحة سنداً ومتنا حتى تكون رائدنا أما الكتب غير الموثقة سنداً ومتنا وإتباع الشبهات وترك المحكمات فلن تصل إلى الحقيقة قال تعالى «فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله» فما بالك تترك الإسنادالصحيح والآيات التي تثني على الصحابة من المهاجرين والأنصار ثم تعمد إلى أقوال باطلة مكذوبة مختلقة ثم تريد من هذه الأقوال هي الحقيقة الرائدة!!!
إن المتروك لم يكن باحثاً ليصل إلى الحقيقة المنشودة كما يزعم وإنماً قرر ما يعتقده، وطفق يلتمس النصوص والروايات أياً كانت مصدرها وبغض النظر عن صحتها وسندها وتأويلها مادامت تخدم وتؤيد قناعته واعتقاده لاسيما سبّ الصحابة وما أكثره في كتبهم ورواياتهم والبعض يتناوله في مجلسه لكي يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر لهم ذاكر.
< الوقفة الثانية :قال المتروك «أحمده بأن رواة الأحاديث والمؤرخين وأصحاب السنن والأسانيد لا يعيشون بيننا في الكويت هذه الأيام لوجدوا منيأخذ بتلابيبهم ويجرهم إلى المحكمة بتهمة سب الصحابة والنيل منهم ، والتشهير بهم » وفي هذا الكلام ملاحظتان :
الملاحظة الأولى«لعله يقصد أصول كتبه ومراجعه المليئة بسب الصحابة والتشهير بهم إذ لا يوجد أحاديث عند أهل السنة والجماعة ولا الكتبالمعتمدة الصحيحة من تطعن وتسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الملاحظة الثانية : كأنه يشير إلى قانون تجريم سب الصحابة وانه غير راض به وأنه قد سلم منه الإسلاف ولذلك حمد الله أنهم لا يعيشون بيننا في الكويت بعدما رأى بأم عينه ما حصل لياسر حبيب وانه وجد من أخذ بتلابيبه وجره إلى المحكمة بتهمة سب الصحابة رضي الله عنهم.
< الوقفة الثالثة :المتروك اعتمد على طعن معاوية رضي الله عنه بقوله «حدثت بالفعل ….. ونقلها المؤرخون في كتبهم وأسانيدهم ….»
أقول سبحان الله انظر أيها القارئ كيف أن المتروك يقرر ما يعتقده وليس البحث عن الحقيقة حيث قال حدثت بالفعل وكأنه قد عاش بينهم وسمعها ممن حدثت منه ثم قال «ونقلها المؤرخون» وأقول ليس كل ما نُقِل يكون صحيحاً فقد قال الطبري نفسه في كتابة التاريخ «ما يكن في كتابي هذا من خبر يستنكره قارئه أويستشنعه سامعه فليعلم أنه لم يُؤت من قِبلنا وإنما أتى من قِبَل بعض ناقليه وإنا أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ذلك» ، والمتروك يقول حدثت بالفعل ، ألم تعلم أن أكثر الروايات التي تذكر في كتب التاريخ وغيرها روايات موضوعة ومكذوبة وأرادوا من وضع هذه الروايات الإطاحة بالصحابة حملة الدين ليسقطوه بل إن أعداء الإسلام لهم اليد الطولى في وضع الأحاديث المكذوبة والروايات المدسوسة ومع الأسف أن بعض الجهال الذين لا علم لهم قد تلقفوا هذه الروايات والأحاديث والله عز وجل يقول عن اليهود«يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله» أقول إن معرفة علم الرواية وعلم مصطلح الحديث وقواعده وأنواعه ومعرفة علم الجرح والتعديل وعلل الحديث والحكم على صحته وعدمه ، علم لا يناله إلا الجهابذة من أهل العلم حيث أنه علم دقيق لا يصل إليه إلا الندرة منهم، وهذا العلم لا يوجد إلا عند أهل السنة والجماعة وهذه كتبهم تنُطق بالحق والمتروك يدرك تماما أن هذا العلم لا يحيط به علما وأن بضاعته في علم الحديث روايةً ودرايةً مزجاة ولعل هذا السبب الذي جعله وغيره يتلقف الروايات من غير تمحيص قال تعالى«ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير» .
< الوقفة الرابعة :قال المتروك«ونقلها المؤرخون في كتبهم وأسانيدهم » فإذا كان المتروك يعتمد ما قاله المؤرخون في كتبهم من دون النظر إلى الإسناد والعمل بالقواعد العلمية وأسس البحث فقد قال المؤرخ الشيعي الحسن بن موسى النوبختي الذي أدرك القرن الثالث الهجري في كتابه «أول من طعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم هو عبد الله بن سبأ اليهودي وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن…» وهذه الرواية تدل دلالة واضحة أن الطعن في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام واختلاق الروايات جاء من قبل اليهود الذين اظهروا حب آل البيت عليهم السلام وأبطنوا الكفر لينالوا من حملت الإسلام ليسقطوه . فهل المتروك يأخذ بهذه الرواية التي جاءت من قبل كتبه؟!
< الوقفة الخامسة :قال المتروك«وقد استن معاوية سنةٌ لم يسبقه احد إليها وهي لعن علي بن أبي طالب وأهل بيته بعد كل صلاة على منابر المسلمين على مدى سبعين سنة ….» أقول لم يثبت حديث صحيح أن معاوية سب علياً وأهل بيته وأمر بذلك وكل ما ذكره المتروك لا يصح وأما ما جاء في صحيح مسلم فلا يدل انه أمر سعداً وإنما أراد أن يستفسر عن المانع من سب علي رضي الله عنه ولما بين سعدٌ السبب لم يغضب معاوية ولم يأمره بالسب وإنما أقر ما ذكره من فضائل علي رضي الله عنه ، وها هو المتروك لم يكن بينهم أو عاصرهم فقد زاد على ما في كتب التاريخ حيث قال «…. قد استن معاوية سنةٌلم يسبقه احد إليها وهي لعن علي بن أبي طالب وأهل بيته بعد كل صلاة على منابر المسلمين على مدى سبعين سنة» ومعاوية استلم الخلافة سنة (41هـ) وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز سنة (99هـ) فمن أين جاء بالسبعين ؟؟؟ وهذه زيادة رواة القرن الحادي والعشرين!
< الوقفة السادسة :ذكر المتروك أن معاوية قام بدس السم للحسن : قال ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون«إن هذه الرواية لا تصح وحاشى لمعاوية من ذلك» وكذلك ردها ابن كثير في البداية والنهاية وأن هذه الرواية لا تصح وقال الذهبي رحمه الله في كتابه تاريخ الإسلام «هذا شيء لا يصح فمن الذي أطلع عليه ».
< الوقفة السابعة :حاول المتروك أن يطعن في عدالة الصحابة حيث قال« إضفاء صفة القداسة على جميع الصحابة أمر يجافي طبيعة البشر ……..الخ « قلت الصحابة ليسوا بملائكة فهم عدول غير معصومين عن الخطأ قال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما…) فسماهم الله مؤمنين مع وجود الخطأ ولا يخرجهم هذا الخطأ من كونهم عدول قال بن عبد البر في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب» وقد أثنى الله عز وجل عليهم ورضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهموثناء رسوله عليه السلام ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منه قال تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ………الخ » وقال تعالى «السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه»، وقال الإمام أحمد رحمه الله:«إن ما تنازع فيه علي وإخوانه لا أدخل بينهم فيه ، لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلم به مني وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقة حال كل واحد منهم وأنا مأمور بالاستغفار لهم وأن يكون قلبي لهم سليما ومأمورا بمحبتهم وموالاتهم ولهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر…» مجموعة الفتاوى لابن تيمية.
والحمد لله رب العالمين
|