يقول السائل: هل قول بعض الإخوانيين والعلمانيين: إن الحرية مقدَّمة على تطبيق الشريعة؟ هل يكون ذلك تفضيلٌ للحكم بغير ما أنزل الله على حكم الله؟
يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: إن هذه الكلمة خطيرة، ولا تخرج عن كونها محرَّمةً أو كفرًا بحسب اعتقاد صاحبها، إن اعتقد أنها أفضل من شرع الله، فهذا كفر ورِدَّة بالإجماع، وإنْ اعتقد أننا محتاجون إليها في هذا الزمن لسوء الناس أو لغير ذلك من أعذارٍ، فمثل هذا محرَّم تحريمًا شديدًا، وليس كُفرًا.
فلا يُكَفَّر مَن حكم أو طَلَب أو دَعَا الحُكْم بغير ما أنزل الله، سواء كان بالديمقراطية أو الحرية أو غيرهما أو بالقوانين الوضعية إلا إذا فَضَّل ذلك على حُكْم الله، أو سوَّاه بِحُكْم الله أو جوَّزه، وقال: إنه جائز وليس محرَّمًا، أو غير ذلك من اعتقادات كفريَّة.
إلا أن هذه المقولة خطيرة، وقد حصل في زماننا غلو في مبدأ الحرية، وكان قد اشتهر بذلك قبلُ العلمانيون والليبراليون، ثم بعد ذلك سارت هذه الدعوة إلى الحركيين من الإخوان المسلمين وأذنابهم، ومَن تبعهم بجهلٍ أو بعِلْمٍ، وهذا خطأٌ كبير، حتى قال بعض الضُلّال: إنَّ الحرية مقدَّمة على الشريعة، ذكر هذا القرضاوي، ومحمد عمارة، وطارق السويدان، وسلمان العودة بطريقة ملفوفة، كما هي عادته، وذكر هذا غيره.
وهذا خطأ ومحرَّم في الشريعة، فإن الله سبحانه يقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
فنحن مأمورون بأن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].
ففي الحرية التي ينبغي أن يتمسك بها المسلمون هي الحرية التي جاءت بها الشريعة، فنحن عبيد لله، والعبد لا يخرج عما يريد سيِّده سبحانه، فلذلك ليس لنا من الحرية إلا ما أتاحته الشريعة، وكُلُّ حرية تخالف شرع الله فهي طاغوت، ولا يجوز أن يُفزَع إليها، وأن يُترَك شرع الله.
ولو دُقِّق لوُجِد أن ما يسمَّى وما يُدعَى إليه من الحريات، الحقيقة هو إفساد في الدِّين والدنيا، وتفصيل هذا في غير هذا الموضع.
لكن ينبغي أن نعلم أن حرِّيتنا بمقدار ما أتاحته لنا شريعةُ ربِّنا، ومما لم تتح لنا شريعةُ ربِّنا أن يغيِّر أحدٌ دينه الإسلامي إلى غيره فإن هذا رِدَّة وكُفْر، وحُكمُه أن يُقتَل، كما ثبت في البخاري عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من بَدَّل دينه فاقتلوه».
وكذلك شريعتنا جاءت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكُلُّ مَن كان على منكَرٍ فيجب أن يُنكَر عليه، ويجب على السلطان أن يمنعه من هذا المنكَر.
وشريعتنا جاءت بإقامة الحدود، فلو تراضى اثنان على الزنا؛ فإن هذا ليس مبرِّرًا لعدم إقامة الحد عليهما، بل يجب إقامة الحد عليهما ،ولا يقال حرية وهكذا، أسأل الله أن يهدي المسلمين أجمعين؛ لِمَا فيه رضاه، وأن يُصلِح أحوالَنا.
ومما يؤسَف له ويُندَى له أن هذه الدعوات سُمِّيت باسم الدين، وزُخرِفَت بالشريعة، وهي أبعد ما تكون عن شرع الله وعن كتاب الله وسُنَّة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.