الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين ورضي الله عن صحابته أجمعين.
أما بعد
يشيرُ من سبك هذه التسمية الحادثة بمثليّ الجنس، إلى من عمل عمل قوم لوط، وكأنّ المقصود بها، أنّ هذا الأمر مركوزٌ في نفوسهم، مُركّبٌ في طبائعهم وغرائزهم، لا قُدرة لهم على دفعه، ولا سبيل إلى رفعه.
كما يدّعي ذلك الدعيّ، أنّه يجب علينا تقبّلهم كما هم، -فهذه طبائعهم وهذا توجههم وهذا خيارهم-، وذلك بالتّسامح معهم، وملاطفتهم، وعدم كسر قلوبهم بإعلان النّكير عليهم، فعلى الوالدين القائمين على تربية الولد أو المرأة شريكة حياة هذا الزوج، أن تتفهّم هذه الحال، وتتقبّل الشّاذ على ما هو فيه، وإن قدِرت على معالجته ومساعدته للتشافي من ميوله، فهذا أمر محمود.
الذي تدلُّ عليه مُحكمات الشريعة، أنّهُ لا يوجد شيء اسمه مثلي الجنس، وهذا التركيب مثلي الجنس، يستكنُّ فيه معنى التفهّم والاعتراف والتسامح والتقبّل في المجتمع، مثل قولهم لتسويغ بعض المناكر، مشروبات روحيّة ويعنون بها الخمر، وفوائد وهي ربا يسمّونها في كثير من الصور المعاصرة بغير اسمها.
فليس هناك شيء اسمه مثليّ، وليس هناك جينات أو جينوم يضطرهم ويحتّم عليهم ارتكاب هذا الفعل، كما يقوله التطوريون الداروينيون الخَلقيون وغير الخلقيين منهم.
الحقيقة التي يتعامون عنها، ويُعرضون عن البخوع لها، أنّه إتيان للذكران، ومقارفة للفاحشة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، يحملهم عليه فجورهم وطغيانهم وبُعدهم عن الله، وإسرافهم في أمرهم، وجراءتهم على تعدّي حدود الله.
ومن أعظم ما يدعوهم إلى مقارفتهِ وتطلُّبه، نفوسهم المُنطوية على الشر، وميلهم ورغبتهم الجامحة لمخالفة الفطرة السويّة، ومصادمة الطبيعة، والخروج عن النمط السّائد.
فالواجب على الدعاة إلى الله، دعوتهم إلى المسارعة إلى التّوبة إلى الله والإنابة إليه، والكفّ عن هذه الفاحشة، بدءا من سدّ ذرائع الوساوس والخطرات الواردة إلى عقولهم حتى مباشرتهم أسبابها، وتهيئتهم الأحوال المُفضية إلى مزاولتها، وبالكفّ عن مشاهدة الحرام، وسماع الحرام، والاقتراب من الحرام، والحذر من مرافقة الصُحبة السيّئة التي تُحسّن لهم هذا المنكر، وتنهزهم إليه، فتنبعث نفوسهم الوضيعة إلى إتيان مواضعه، ومُخادنة أهله.
ومن الملاحظ في الآيات التي تحدثت عن قوم لوط عليه السلام، أنّ الله سبحانه وصفهم بأنّهم قوم مسرفون.
والإسراف: تجاوز الحدّ في كلِّ فعلٍ يفعلهُ الإنسان، كما عرّفه الراغب رحمه الله، فوصفهم اللهُ تعالى بالإسراف، لأنّهم يأتون الرجال شهوةً من دون النّساء، ويقطعون السبيل أي بالعدوان على الأنفس والأموال.
وساوى الله سبحانه بين هذه العظائم والفواقر، ولم يُفرّق بينها، فلم يجعل إتيانهم الذكران مردّهُ لطبيعتهم وفطرتهم المركوزة في نفوسهم والتي لا قُدرة لهم على دفعها، فيما اعتبر التعدّي على الناس بقتلهم، وأخذ أموالهم بقطع الطريق، جريمة يؤاخذون بها، ويُعاقبون عليها، ويرفضها الإسلام ولا يتسامح معها.
بل ساوى الله تعالى بين هذه الفواحش، في مؤاخذتهم بها، ومعاجلتهم بالعقوبة على مزاولتها، ولم تكُن لهم حُجّة يُدلون بها إلا أن طلبوا من لوط عليه السلام ومن آمن معه أن يخرجوا من قريتهم، لأنّهم أناسٌ يتطهّرون، وهذا دالٌ على خُبث نفوسهم، ورداءة فعلهم.
إنّ مما يندى لهُ الجبين، وتتفطّر له الكبد، أن تأت الدعوة إلى التسامح مع هذه الانحرافات، والتقبُّل لهذه المظاهر، ممن يزعمون أنّهم دعاةٌ إلى الله، وممن يتحدّثون باسمه، وهم في حقيقة الأمر دعاةٌ إلى مصالحهم الحزبيّة الضيّقة، وأهويتهم التي جمحت بهم فأردتهم، وجعلت عوام المسلمين الباقين على فِطرهم الثابتين على دينهم، قبل أهل العلم والفضل، يُنكرون عليهم انحرافاتهم، ويتبرءون من زيغهم وارتيابهم.
وقد رأيتُ بعض هؤلاء الدعاة المنحرفين، إذا غاب نجمهُ عن الإعلام، ونسيهُ النّاس، وتشاغلوا عنهُ بما ينفعهم، خرج لهم بباقعة أو جاء برأي زائغ أو قول شاذّ، فيه من التّعمية والتّلبيس ما فيه، ُفأحدث جلبةً وضجيجا، حتى يعود إلى الأضواء، وتتّجهُ له أنوار الشُهرة والفلاشات، ويصير حديث النّاس، ويرجع لاسمهِ الذيوع والانتشار، بعد أن أفل نجمهُ، وانطمس أثره.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن مِنْ ورائكم فِتَنًا يكثُرُ فيها المال، ويُفتح فيها القرآن، حتى يأخُذهُ المؤمن والمنافق والرجل والمرأة، والصغير والكبير والعبد والحرُّ.
فيوشِكُ قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتَّبعوني وقد قرأتُ القرآن؟ ما هم بمتبعيَّ حتّى أبتدعَ لهم غيرَه ..
فإيَّاكم وما ابتُدعَ ؟
فإن ما ابتدعَ ضلالة.
كتبه محمد بن علي الجوني