من شؤم الذنوب والمعاصي


 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

إن الله خلقنا لعبادته وطاعته قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فمن خالف هذه الحكمة بمعصية الله خسر في الدنيا والآخرة .

وذلك أن الذنوب ومعصية الله سبب لكل بلاء حسي ومعنوي في الدنيا والآخرة، والطاعة سبب لكل فلاح ونجاح في الدنيا والآخرة .

وقد بينت الشريعة ذلك بأوضح بيان بأدلة عامة وخاصة ومجملة ومفصلة لنتعظ ونعتبر .

فالذنوب سبب لحرمان الهداية قال تعالى ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: 146] وقال ﴿وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [غافر: 37]

بل إن المعصية والسيئة تدعو أختها قال تعالى ﴿أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 8، 9،10]

والذنوب سبب للضنك والحسرة قال تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124]

وسبب لكل المصائب من الأمراض والنزاع مع الزوجة والأولاد والأصدقاء وغير ذلك قال تعالى ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165]

وسبب لحرمان الرزق قال تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96]

وسبب للهزيمة والخسارة قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: 155] وقال ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25]

وسبب للعقوبات المختلفة والمتنوعة قال تعالى ﴿فبظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [النساء: 160]

وسبب للتفرق والاختلاف قال تعالى ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران: 19]

وسبب لفساد الأرض في هوائها ومائها ومعيشتها وغير ذلك قال تعالى ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]

وسبب لذهاب العلم قال تعالى ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ﴾ [الأعراف: 175]

وسبب لتسلط الحكام على الشعوب قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: 129]

بل حتى اللحم ما خنز وخبث إلا بالذنوب، أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال ” لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم

إخوة الإيمان هذه بعض آثار الذنوب وشؤمها.

أعاذنا الله منها وأعاننا على تركها.

فاعتبروا بهذه الآيات، وخذوا العظة منها .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فمن الكلمات العظيمة ما رواه ابن المبارك في كتابه الزهد عن بلال ابن سعد أنه قال: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت .

وهذه كلمة عظيمة لو استشعرناها وبين الأعين جعلناها، فاتقوا الله في أبصاركم، واتقوا الله في أسماعكم، واتقوا الله في ألسنتكم. وتذكروا أن الموت يهجم فجأة واليوم عمل بلا حساب وغدًا حساب بل عمل .

قال تعالى ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]

واعلموا أن أعظم شؤم للذنوب أنها سبب لدخول النار وحرمان الجنان، قال تعالى ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 14]

النار، وما أدراك ما النار،

حرها شديد، وقعرها بعيد، والناجي منها سعيد.

اللهم اجعلنا من الناجين.

قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾

وأعظم سبيل للنجاة من الذنوب وآثارِها التوبةُ قال تعالى ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]

اللهم أنجنا من النار،

اللهم أنجنا من النار،

اللهم أنجنا من النار،

اللهم أعذنا من النار، وأدخلنا الجنان.

 

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

من شؤم الذنوب والمعاصي - د. عبدالعزيز بن ريس الريس 1442هـ


شارك المحتوى: