عبد الله بن مسعود بن الشرع والتطاول
الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار والحمد لله الذي اختار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسل في خير القرون وخير الناس
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .
إن الله حكيم عليم كما قال سبحانه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] ، وقال {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } [الزخرف: 84]
ومن حكمته أنه اصطفى أقواما لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة الكرام ، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” وددت أنا قد رأينا إخواننا” قالوا: أولسنا إخوانك؟ يا رسول الله قال: “أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد”
فدل هذا الحديث على أن الفارق بين الصحابة وبقية المؤمنين أنهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنين به.
وهؤلاء الصحابة هم الذين اصطفاهم الله من بين العالمين لصحبة محمد صلى الله عليه وسلم حتى قاموا بالدين خير قيام، فسفكوا دماءهم وبذلوا مهجهم وأموالهم لنصرة دين الله فبلغوا الدين شرقاً وغربًا – رضي الله عنهم وأرضاهم – .
وقد زكى الله هؤلاء الصحابة في آيات عدة منها قوله سبحانه { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]
وقال سبحانه {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]
وقال {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]
وقال { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة في أحاديث عدة ، أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ”
وأخرج الشيخان من حديث أبي سعيد ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد، ذهبا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه ”
وأخرج مسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ”
وفي فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل عن عبد الله قال: ” إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد “.
وثبت عند ابن ماجه والإمام أحمد في فضائل الصحابة عن عبدالله بن عمر :” لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة، خير من عمل أحدكم عمره ”
ولأجل ثناء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الصحابة؛ فإن العلماء مجمعون على أنهم عدول أخيار، كما حكى الإجماع الخطيب البغدادي وابن كثير والنووي وابن الملقن وابن حجر وجماعة من أهل العلم .
ومن قواعد أهل السنة المجمع عليها أن القدح في آحاد الصحابة ابتداع في الدين، وكل من فعل ذلك فهو مبتدع باطل .
أخرج الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية عن أبي زرعة أنه قال : ” إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق”
وقال الإمام أحمد :” إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام ” (مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي)
وقال الإمام أحمد في أصول السنة :” من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بغضه بحدث منه أو ذكر مساويه كان مبتدعاً ” تأمل إلى قوله ( أو ذكر مساويه ) .
أيها المسلمون لا يجوز لأحد أن يتكلم في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو يذكرهم بسوء، فهم خير القرون وخير الناس، لا يجوز التكلم فيما شجر بينهم -رضي الله عنهم -؛ لأن هذا يعود إلى نقص محبتهم في القلوب مع أن ما روي فيما حصل بينهم ليس قادحاً في عدالته؛ وذلك أن أكثر المروي في كتب التاريخ وغيرها مما شجر بينهم لا يصح إسناده، وما صح إسناده فقد غير فيه وبدل وحرف، وما لم يبدل ولم يحرف فهو نزر قليل وهم فيه مجتهدون ما بين مصيبين لهم أجران أو مخطئين لهم أجر واحد، كما أخرج الشيخان من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ”
وما قدر أن أحدهم تعمد الخطأ فيه فإن لهم حسنات كثيرات تكفر سيئاتهم فقد قال سبحانه { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]
هذا ملخص ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الوسطية .
إذا عرف هذا فلا يجوز لأحد أن يتذرع بانتقاص أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء حصل بينهم.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرحمنا وأن يتوب علينا بحبنا لأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم أدخلنا جنانك بحبهم، اللهم انجنا من النار بحبهم، اللهم اجعلنا من عبادك الأبرار بحبهم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على سول الله أما بعد:
فإن الرافضة عليهم لعائن الله أشد الطوائف تكفيراً وسبًا وانتقاصًا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنهم كفروا الصحابة كلهم إلا سبعة وفي قول عندهم إلا ثلاثة، بل إنهم تجاوزوا ذلك وقذفوا أم المؤمنين عائشة بالزنا تكذيبا للقرآن عليهم لعائن الله إلى يوم الدين.
وقد شابه الرافضة من وجه بعض الكتاب والصحفيين، فانتقص أحد الكتاب الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -، والذي من أعظم مزاياه أنه من أعلم الناس بكتاب الله سبحانه وتعالى
ثبت عند الإمام أحمد وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر عبد الله بن مسعود : ” من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ” وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود
وفي البخاري أنه سئل حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: “ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد”
وثبت عند الطبراني أن عمر قال في عبدالله بن مسعود ” كنيف ملئ علما ” وفي بعض الروايات “كنيف ملئ فقها ”
يا سبحان الله ألا يستحي هذا الكاتب من انتقاص هذا الصحابي الجليل مع سعة علمه، والله أعلم لو قيل لهذا الكاتب اقرأ القرآن تلاوة ما حسن تلاوته فكيف يتسلق على هؤلاء الجبال فينتقصهم – رضي الله عنهم وأرضاهم –
إن انتقاص الصحابة لم يتوقف عند هؤلاء الكتاب الجهال، بل تجاوز ذلك إلى أقوام يسمون بدعاة إسلاميين، فانتقصوا جمعاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من انتقص معاوية -رضي الله عنه- كما فعل ذلك سيد قطب في كتابه ( كتب وشخصيات)، وتبعه جمع من الحركيين مع أن معاوية – رضي الله عنه – هو كاتب الوحي، كما ثبت عن ابن عباس عند الإمام أحمد، وهو خال المؤمنين والقدح فيه بوابة للقدح في بقية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرج ابن عساكر عن أبي توبة الحلبي قال : ” معاوية ستر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه ”
وأخرج ابن عساكر أنه قيل لعبد الله ابن المبارك: أيهما أفضل معاوية -رضي الله عنه- أم عمر بن عبد العزيز ؟ قال:” لغبار في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبد العزيز “.
ومعاوية رضي الله عنه هو أفضل ملوك الإسلام بالإجماع، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى .
اللهم يا من تدافع عن أوليائك دافع عن صحابة محمد صلى الله عليه وسلم اللهم عليك بمن سبهم وانتقصهم، اللهم وفق المسلمين ليعرفوا قدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم من علينا بصحبتهم في الجنان مع نبيك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
@Dr-alraies